:أهم الأخبارمقالات

دعــــوة للتفــــاؤل

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

      ما أجمل الأمل , وما أصعب اليأس , وما أشقه , وما أخطره , اليأس مدمر للنفوس , محبط للآمال , مولد للكآبة , مثبط للهمم , لذا نهى الإسلام عن اليأس والتيئيس , والإحباط والتحبيط, وعدّه بعض أهل العلم من الكبائر .

      يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا يعقوب (عليه السلام) : “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” , ويقول سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام) : ” أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” , وعن ابن عبّاس (رضي اللّه عنهما) أنّه قال: إنّ رجلا قال : يا رسول اللّه ، ما الكبائر ؟ قال :  “الشّرك باللّه ، والإياس من روح اللّه ، والقنوط من رحمة اللّه”.

       ونقول لمن كان مريضًا حتى لو كان مرضه عضالا أو مزمنًا : لا تيأس من الشفاء , وَتَذكَّر ما مَنَّ الله به على سيدنا أيوب (عليه السلام) , وتمسك بما دعا به ربه , واجعله في ذلك لك قدوة , حيث يقول الحق سبحانه : “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” .

       وإن كنت عقيمًا لا تنسى ما منَّ الله (عز وجل) به على سيدنا زكريًا (عليه السلام) مع ما كان عليه من تقدم في السن وعقم بالزوج لا يرجى معه ولد  , وذلك حين نادى زكريا (عليه السلام) ربه : ” قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ” , وحيث يقول الحق سبحانه : ” وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” .

       والطبيعي أن المرأة العقيم التي لا تنجب تعالج أولاً من العقم ثم يكون الإنجاب , لكن النص القرآني لم يَسر على هذه الوتيرة أو هذا النسق , وإنما قال سبحانه : ” وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ” , فقدم البشرى بالولد على إصلاح الزوج , وكأنه سبحانه يعلمنا أنه قادر على أن يعطي الولد بأسباب وبلا أسباب , أصلح الزوج أو لم يصلحها , ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” , وهو ما حكاه القرآن الكريم في قصة إبراهيم (عليه السلام) حين بشرته الملائكة بالولد مع تقدم سنه , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ” .

       وإن كان الإنسان في ضيق أو فاقة , فليعلم أن خزائن الله ملأى لا تنفد أبدا , وأن الأيام دول بين عسر ويسر , فغني اليوم قد يكون فقير الغد , وفقير اليوم قد يكون غني الغد .

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنــى

وأن الغني يخشى عليه من الفقر

       ويقول الحق سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” , ويقول سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” , ويقول سبحانه: ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” .

      فمع استقبال عام جديد ينبغي أن نتحلى بالأمل في غد أفضل , ومستقبل مشرق , وفتح من الله قريب ,    لا نيأس ولا نجزع , ولا نتشاءم , لأن عدونا يريد أن يصل بنا إلى اليأس والإحباط , وأنه لا جدوى ولا أمل لنخضع ونستسلم , غير أن ديننا وثقافتنا لا يعرفان لليأس طريقًا , فنحن ذوو أمل كبير  , يقول الشاعر :

قـــــال السمــــاء كئيبــــــة ! وتجهمــــــــا

قلـت: ابتسم يكفي التجهم في السما !

قــــال: الليالــــي جرعتنــــي علقمــــــــا

قلــت: ابتســم و لئن جرعت العلقمـــــا

فلعـــــل غيـــــــــرك إن رآك مرنمــــــــــــا

طـــــرح الكآبـــــة جانبـــــا و ترنمـــــــــــا

        غير أن الأمل يحتاج إلى عمل , لأن الأمل بلا عمل كجسد بلا ساق , لا يقوم له قوام , مما يجعلنا ندعو وبشدة إلى الأمل الذي يحمله العمل .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى