:أهم الأخبارمقالات

7 دقائق في مراكش

23

    الزمن بمنجزاته لا مسافاته , وعمر الفتى ذكره لا طول مدته , وقيمة المرء ما ينجزه لا ما يعيشه , فعلى مدار يوم ونصف تقريبًا قضيناهما في مدينة مراكش المغربية ذات العبق التاريخي لاقينا فيهما كل إكرام وتقدير في روح عربية ونكهة عربية , القوم قومي والأصحاب أصحابي .

    لمسنا الأُنس لا الغربة , والأصالة والعراقة مع ما يحفهما من روح عصرية , وإلى جانب ذلك كله كانت الروح المراكشية التي تتلاقى كل التلاقي مع الروح المصرية السهلة السمحة المتفائلة .

    وفي إطار هذه المسافة الزمنية كانت هناك سبع دقائق تقريبًا هي المخصصة لكلمتنا في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “حقوق الأقليات الدينية في الديار والمجتمعات الإسلامية” , وفيها أكدنا أننا حضرنا إلى المغرب من مؤسسة التسامح الأزهر الشريف ، في بلد التسامح مصر المحروسة ، إلى بلد آخر عُرف بالتسامح هو دولة المغرب الشقيقة , مع منتدى أنشئ لأجل التسامح هو منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة  برئاسة الشيخ العلامة / عبد الله بن بيه ورعاية دولة الإمارات العربية الشقيقة , لنلتقي معًا على مائدة التسامح التي نستقي معينها من ديننا السمح , دين الإنصاف والعدل والتعايش السلمي , والإيمان بالتنوع وقبول الآخر على ما هو عليه , وإنصافه غاية الإنصاف , فحين خاطب القرآن الكريم المشركين على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم) ولسان أصحابه , قال : ” وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” , ولم يقل نحن على هدى وأنتم على ضلال مبين , فيما يعرف لدى علماء البلاغة بأسلوب الإنصاف .

     وإذا كان موضوع هذا المؤتمر قد جاء تحت عنوان : ” حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية ” , ولم يكن عن حقوق الأقليات المسلمة في الديار غير الإسلامية , أو حتى عن حقوق الأقليات بصفة عامة , فإن ذلك قد أتى للتأكيد على عظمة ديننا الذي علمنا أقصى درجات التسامح تجاه الآخر , وإنصافه , وبناء جسور الثقة معه , وأن الواجب قبل الحق , وأننا نعطي الآخرين حقوقهم قبل مطالبتهم بحقوقنا أو بالتوازي معها , وبنفسٍ طيبةٍ حتى لو جار بعضهم على بعض حقوقنا , انطلاقًا من قوله تعالى : “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” .

      وقد أكدت للجميع أننا في مصر المحروسة قد تجاوزنا عقدة الأقلية والأكثرية إلى بناء الدولة المتكافئة , وإعلاء دولة القانون , فكلنا مصريون فحسب , دون أي صفة أخرى , ودون أدنى تمييز على أساس الدين , أو العرق ، أو اللون ، أو الجنس ، أو النوع , وهذا هو ديننا , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ”  كُلُّكُمْ لآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ” , أما تلك الجماعات الهدامة المتطرفة الرافضة للآخر المتجاسرة على حقوقه الهاضمة لها أو الرافضة له , فقد أكدت أنها جماعات سياسية صنعت من قبل دول وقوى معروفة للنيل من منطقتنا وتشوية الصورة الحضارية النقية لديننا السمح , وهذه الجماعات لا علاقة لها بالإسلام ولا علاقة للإسلام بها , فنحن أكثر من يكتوي بنارها , ولا ينبغي أن يوسم الضحية بسمات الجلاد , أو يتصف بصفاته الإجرامية .

      وفي حضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أطلقت مبادرتين :

    الأولى : ضرورة أن تتبنى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة مبادرة المواطنة المتكافئة في جميع أنحاء العالم , وبلا أي تفرقة أو تمييز أو استثناء , مع العمل على ترسيخ مبدأ التعايش السلمي وأسس العيش المشترك بين البشر جميعًا , على أرضية وخلفية إنسانية خالصة , وفي ضوء المشتركات والحقوق الإنسانية التي أجمعت عليها الشرائع السماوية , وأقرتها وأكدتها الأعراف والمواثيق الدولية , وبخاصة في مجالات حقوق الإنسان .

    أما المبادرة الأخرى : فكانت دعوة إلى الأمم المتحدة أيضًا لاستصدار قرار يجرم ازدراء الأديان , ويؤكد على عدم المساس بمقدساتها .

    مع تأكيدنا أن الإسلام قد كرم الإنسان على إطلاق آدميته دون النظر إلى دينه أو جنسه أو لونه , حيث يقول الحق سبحانه : “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” , ولم يقل كرمنا المسلمين وحدهم أو المؤمنين وحدهم أو الموحدين وحدهم , وهذا رسولنا (صلى الله عليه وسلم) يوجه خطابه في حجة الوداع فيخاطب الناس كل الناس , بقوله (صلى الله عليه وسلم) : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ , أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ , قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ : فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟, قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ : فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ” .

     وقد أمرنا ديننا الحنيف أن نخاطب الناس جميعًا كل الناس بالقول الحسن , فقال سبحانه : “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً” , للناس كل الناس .

     على أننا نؤمل أن تسود هذه السماحة العالم كله , وأن نعمل على نشرها معًا , وأن يعاملنا الآخرون بمثل أو ببعض ما نعاملهم به ونحمله تجاههم من روح متسامحة , حتى يعم السلام والوئام , ويسود الأمن والأمان , ونحقق معاني الإنسانية السامية , ونستحق جميعًا أن نكون خلفاء لله (عز وجل) في الأرض , وأن نكون أهلا لحمل الأمانة الثقيلة التي عرضت على الأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، “وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ” .

      وإننا لنؤمل أن يكون إعلان مراكش نقطة انطلاق أو نقطة ضوء في ترسيخ أسس العيش المشترك , واحترام آدمية الإنسان وحقوق الأقليات كل الأقليات بلا استثناء ولا تمييز ولا كيل بمكيالين أو بمائة كيل .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى