وجوه مسفرة وأخرى كالحة
وجوه الصالحين والعالمين الربانيين وعباد الله المخلصين مضيئة بنور الله في الدنيا والآخرة , حيث يقول الحق سبحانه : ” سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (الفتح: 29) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء ، فمَن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل” , وقد حثنا الإسلام على طلاقة الوجه ورحابة الصدر , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “لا يحقرن أحدكم عملا من الخير ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق” (رواه مسلم) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” تبسمك في وجه أخيك لك صدقة” ) رواه الترمذي) , وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب , وعن جابِر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “كل معروف صدقة, وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بِوجه طلق, وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك”, وقال أبو حاتم : “البشاشة إدام العلماء ، وسجية الحكماء ؛ لأن البِشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة ، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي ، ومن بَشَّ للنَّاس وجهًا ، لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك) , وقال ابن عيينة : “البشاشة مصيدة المودة ، والبِر شيء هين ، وجه طليق، وكلام لين” , وقال الأحنف : “رأس المروءة : طلاقة الوجه ، والتودد إلى الناس”.
والعالم الحق , المتعلق بالله , لا يمكن أن يكون كالح الوجه ، عابس الطلعة ، مكفهر المنظر , بل هو كما قال الحق سبحانه في وصف أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه إلى يوم القيامة : “سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ” .
فالعين الباكية من خشية الله والقلب الخاشع لله وسيلتا رحمة لصاحبهما في الدنيا والآخرة , والقلوب النيرة لا تعرف الحقد , ولا الغلظة , ولا الجفوة , ولا العناد , ولا الانتقام , ولا التشفي , إنما تعرف الرفق واللين والرحمة والإنسانية .
أما أصحاب القلوب السوداء والوجوه الكالحة العابسة فعملهم ليس من الدين في شيء , وسواد قلوبهم قد يطبع حتى على ألوان وجوههم بالغبرة والقترة في الدنيا والآخرة , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ” (عبس : 40- 42).
على أن الوجوه الكالحة العابسة تُنفِّر من الإسلام ولا تدعو إليه , أما الوجوه السمحة الباسمة فهي مناط الأمل في الدعوة الحكيمة الراشدة , وهي التي تبشر ولا تنفر وتيسر ولا تعسر , وتقرب الناس إلى دين الله وتحببهم فيه , لا تبعدهم عنه ولا تنفرهم منه.