هويتنا الواقية في زمن العولمة
يريد أعداؤنا أن نكون مسخًا أو طمسًا ، بلا هوية ، بلا معالم ، بلا لون أو طعم أو رائحة ، هكذا يريدون لنا أن نذوب في الآخرين ، ليذوب تميزنا ، وتنطمس حضارتنا وهويتنا ، مما يتطلب منا اليقظة والمقاومة لمحاولات التذويب .
ولا شك أن ثمة عناصر هامة وعلامات فارقة هي تلك التي تشكل الهوية الواقية للأمم والشعوب ، في مقدمتها : الدين بكل آفاقه الواسعة ، والوطن بكل أبعاده : بداية من الجغرافيا وانتهاء بقوة الدولة ، إضافة إلى اللغة والثقافة والتاريخ بكل ما يحمله من إرث حضاري .
هناك أمم وشعوب ودول محدثة تريد أن تقفز فوق التاريخ ، غير أنها لا تريد أن تؤمن بالتطور الزمني ولا بالتراكم الحضاري ، فلا تجد من منظورها سبيلاً للقفز فوق التاريخ إلا بهدم حضارات الآخرين ومحاولة القضاء عليها أو تشويهها ، فإن لم تستطع فبالعمل على إذابة هويتها في هويات محدثة تفصمها عن كل ما شكل هويتها العظيمة عبر التاريخ ، وقد قالوا : من لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل .
ومع أننا لا نأخذ هذه العبارة على علاتها ، فإننا نؤمن بأهمية أن نتخذ من تاريخنا العريق ما ننطلق به في حاضرنا ونسهم به في صنع مستقبلنا وهويتنا الواقية في زمن العولمة والتيارات الثقافية والفكرية والأيدلوجية الطاحنة الجارفة ، في مواجهة موجات الشتات ومحاولات التشتيت أو التشويه الفكري .
لقد حرص نبينا (صلى الله عليه وسلم) على أن يكون للمسلمين هويتهم فنهاهم عن اللهث خلف مظاهر الآخرين الشكلية والتشبه بهم ، كما نهى الرجال عن التشبه بالنساء ، والنساء عن التشبه بالرجال ، وحرم على رجال أمته لبس الذهب والحرير في حين أحلهما لنسائها ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال” (رواه البخاري) حفاظًا على هوية الرجل وهوية المرأة مع عدم الانتقاص من هوية أي منهما .
وفي الجوانب الإنسانية أكد ديننا الحنيف على حفظ العهود والمواثيق الدولية ، وعدم الغدر حتى بأعدى الأعداء ، وعدم أخذهم غيلة أو غدرًا ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ” (الأنفال : 58) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم” (رواه مسلم) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غَدَر، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ” (رواه البخاري)، وهو ما يعرف في مصطلحات عصرنا الحاضر بممارسة السياسة النظيفة , التي لا تعرف المؤامرة على أحد , تراعى حق الجار , وحق الصديق , وتتحلى بالحكمة وضبط النفس والترفع عن الصغائر والدنايا , ولا تنجر إلى معارك كلامية , ولا تنزل إلى ما لا يليق بتاريخها وحضارتها , وقد نظرت وبحق وصدق في ممارستنا السياسية في مصر فأيقنت أننا في أزهى عصور ممارسة السياسة النظيفة , وأؤكد أن الغايات الشريفة لا يمكن أن تتحقق إلا بالوسائل الشريفة , وأن مبدأ الانتهازية والغاية تبرر الوسيلة يمكن بسهولة نقضهما ، وعلى أقل تقدير تجاوزهما ، لأن من نكث فإنما ينكث على نفسه.