:أهم الأخبارمقالات

مواقع الفتنة والضرار

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

لا شك أن كثيرًا من الوسائل العصرية إنما هي حمالة أوجه ، أو أسلحة ذات حدين كما يقولون ، فالسكين التي لا غنى عنها في كثير من الاستخدامات الحياتية قد صارت في أيدي  بعض المتطرفين وسيلة للذبح وسفك دم البشر ، والسلاح الذي لا غنى عنه في الدفاع عن الأوطان قد يصير لدى الدول الغاشمة والجماعات المتطرفة وسيلة للظلم والعدوان والفتك بالبشر بدون حق ، وهكذا في كثير من الصناعات والاختراعات والابتكارات المستحدثة ، غير أن العاقل من يأخذ خيرها ونفعها ويتقي شرها وضرها .

ووسائل التواصل ومواقعه التي ينبغي أن تكون وسيلة لبث الحكمة والمعرفة ، والحوار الحضاري ، ونقل العلوم والمعارف والثقافات ، صارت لدى بعض الخارجين على النسق الإنساني السوي وسائل لهدم الدول والمجتمعات ، وتشويه الرموز الوطنية ، وبث الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، وترويج الشائعات ، وإنزالها منزلة الحقائق الثابتة ، مع ما شاب ويشوب بعض هذه المواقع من الادعاء والكذب واستخدام التقنيات الحديثة في التحريف وإلباس الباطل ثوب الحق ، والتشويه والخلط ، مما يتطلب يقظة مهنية ووطنية ، وصحوة في الضمير الإنساني ، والوقوف عند حدود الشرع والقيم والأخلاق ، حيث يقول الحق سبحانه  وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” (الحجرات :2) ، وفي قراءة “يا أيها الذين آمنو إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا” مما يوجب ضرورة التحقق والتبين والتثبت ، وبخاصة من أخبار الفساق والمشبوهين أفرادًا أو مواقع ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) “ كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا ، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ  ” (رواه مسلم) وفي رواية : ” كَفى بالمَرْء إثماً أن يُحَدِّثَ بكُل ما سَمِعَ ” (سنن أبي داود) ، أي لو لم يكن للإنسان من الذنوب سوى أن يكون بوق كلام ينقل كل ما يسمع دون تحرٍّ أو تدقيق أو تثبت لأوقعه ذلك وحده دون سواه في الهلاك ، و يقول نبينا  (صلى الله عليه وسلم) : “ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ”                         (رواه البخاري) ، ويقول الحق سبحانه :” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ” (النور :15) ويقول عز وجل : ” وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ” (الإسراء : 36) .

أما هذه المواقع والصفحات التي تعمل على هدم الأوطان ورمي الناس بالتهم كذبًا وافتراء وظلمًا وعدوانًا وبهتانًا فهي مواقع وصفحات ضرار وفتنة يجب التصدي لها وكشف جهل أو عمالة أو كذب وافتراء القائمين عليها ، على أن بعض هذه المواقع المشبوهة المحرضة إنما تعمد إلى نظم وآليات تعطيها أكثر من حجمها ووزنها في المتابعة والمشاهدة الحقيقية وتظهرها على أنها مواقع عملاقة مع أنها على أرض الواقع لا قيمة لها ولا وزن ، كما أن الجماعات الإرهابية يدعم بعضها بعضا على مواقع التواصل ، كما أن لها ما يعرف بالكتائب الإلكترونية التي تعمد إلى التشويه من جهة وبث الأباطيل والأكاذيب والافتراءات من جهة أخرى، ودعم بعضها بعضا من جهة ثالثة ، علما أن هذه المواقع تجاوزت بث الأخبار الكاذبة إلى انتهاج أسلوب التهكم والسخرية من خلال بث مواد مقروءة حينًا ومصورة أو مسموعة أو مصورة مسموعة تارة أخرى ، ناسين أو متناسين أن الإنسان قد يتكلم الكلمة من سخط الله  ليضحك بهاجلساءه أو متابعيه أو مستمعيه فيهوي بها في النار بعد الثريا ، يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات 11-12) ، علمًا أن بعض هذه المواقع وبعض هذه الصفحات قد تجاوز كل ذلك إلى القذف المحض والسباب المحض والتحريض الصريح على القتل والفساد والإفساد والتخريب دون وازع من دين أو ضمير أو إنسانية أو خلق قويم ، والله لا يحب الفساد ، ولا يحب المفسدين ، ونهى عن الفساد في الأرض ، فقال سبحانه : ” وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ” (الأعراف :56).

وهنا نؤكد على أمرين :

الأول :

أن كل ما يأخذك إلى الرحمة والصدق والعمل والإنتاج والبناء والتعمير والأمن والأمان والسلام يأخذك إلى صحيح الإسلام ، وكل ما ينحدر بك في اتجاه الفحش والخنا والسباب والفسوق ورمي الناس بالباطل ، والحث على القتل وسفك الدماء ، وترويع الآمنين ، والهدم والتخريب والفساد والإفساد  يأخذك إلى ما لا علاقة له بالدين ولا بالإنسانية بل إنه ليأخذك إلى ما يناقض الدين والفطرة السوية .

الأمر الآخر :

أنه يجب التصدي وبكل قوة وحسم لهذه المواقع والصفحات المشبوهة ، و الأخذ على أيدي أصحابها سواء بالمواجهة الفكرية ، أم بالإجراءات القانونية الحاسمة وإنفاذ القانون وبكل قوة وحسم على من يعبث بأمن الوطن ومقدراته ، أم بهما جميعًا ، من كان جاهلاً أو مضللاً علَّمناه وأرشدناه ، ومن دعاة الفتنة وأربابها انتزعناه وانتشلناه ، ومن كان ذا غيٍّ وهوىً وضلال بالحسم والقوة والقانون قوَّمناه .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى