مهارات التواصل الدعوي
لقد ضرب لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أعظم المثل في استخدام مهارات التواصل الدعوي بمختلف أنواعها حتى وإن لم يسمها بذلك ، أو لم تعرف في زمانه (صلى الله عليه وسلم) بهذا الاسم ، فقد أداها بما آتاه الله (عز وجل) وعلمه إياه من البلاغة والفصاحة والبيان ، وما آتاه من جوامع الكلم وأدواته ووسائله , حيث قال له صاحباه أبو بكر وعمر (رضوان الله عليهما) : يا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تخاطب وفود العرب بما لا نعلمه ، فمن أدبك ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): “أدبني ربي فأحسن تأديبي” ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” أَنَا سيد ولد آدم ، بيد أني من قريش ، ونشأت في بني سعد ، واسترضعت في بني زهرة ” ويروى : ” أنا أَفصح العرب بيد أني مِن قريش” ، ووصف الجاحظ كلامه (صلى الله عليه وسلم) فقال : هو الكلام الذي قلَّ عدد حروفه، وكثُر عدد معانيه ، وجلّ عن الصنعة ، ونُزّه عن التكلف ، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حفّ بالعصمة ، وشُيِّد بالتأييد ويُسِّر بالتوفيق ، وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة ، وغشاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام ، لم تسقط له كلمة ، ولا زلت به قدم ، ولا بارت له حجة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب .
ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعًا ، ولا أقصد لفظا ، ولا أعدل وزنًا ، ولا أجمل مذهبًا , ولا أكرم مطلبًا ، ولا أحسن موقعًا ، ولا أسهل مخرجًا , ولا أفصح معنى , ولا أبين في فحوى من كلامه (صلى الله عليه وسلم).
ومع ذلك كله حرص (صلى الله عليه وسلم) على التنوع في الأسلوب واستخدام سائر مهارات التواصل الدعوي للنفاذ إلى عقل المتلقي وقلبه , وإثارة اهتمامه وانتباهه , وإيقاظ مشاعره , ومن هذه المهارات:
- مهارات لغة الجسد الرصينة المتزنة , كتغيير وضع الجسد لإثارة الانتباه , ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” ألا أنَبئكم بِأكبر الكبائر : ثَلاثا ، الإشراك بِاللّه ، وعقوق الوالدين” , وكان (صلى الله عليه وسلم) متكئًا فجلس فقال : “ألا وقول الزور” .
فلا شك أن تغيير النبي (صلى الله عليه وسلم) وضعه من الاتكاء إلى الجلوس كان على سبيل إثارة انتباه السامع والمتلقي إلى أهمية ما سيلقي من الكلام , وأن له خصوصية اقتضت تغيير النبي (صلى الله عليه وسلم) لوضع جسده الشريف من الاتكاء إلى الجلوس , تأكيدًا على خطورة وأهمية ما سيذكر بعده من قول الزور , لما يترتب عليه من الظلم وضياع الحقوق والتحذير من خطورة الوقوع فيه ومغبته وسوء عاقبته .
ومنها الإشارة إلى القلب ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم” وأشار بأصابعه إلى صدره (رواه مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، وَلا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونُوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بِحسب امرئ من الشّرِّ أن يحقر أَخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه” (رواه مسلم) .
ومنها الإشارة ببعض أصابعه كالإشارة بالسبابة والوسطى ، حيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم):” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه يعني السبابة والوسطى” (رواه البخاري)، وعن جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : “صبّحكم ومسّاكم ” ويقول : “بعثت أنا والساعة كهاتين” ، “ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى”(رواه مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو” وضمَّ أصابعه .
ومنها الإشارة إلى اللسان حيث يقول (صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه : أَلا تسمعون أَن اللَّه لا يعذب بدمع العين ولا بِحزن القلب ولكن يعذب بِهذا وأشار إلى لسانه أَو يرحم ” (رواه البخاري ومسلم) .