مقال لمعالي وزير الأوقاف بعنوان: كــف الأذى
كــف الأذى
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
يقول الحق سبحانه : ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ” (الأحزاب : 58) , ويقول سبحانه : ” وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا” (النساء : 112) قيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ : يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ ” (مسند أحمد) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها وسَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ ” (صحيح مسلم) , ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) حُمَّرة وهي: (طائر صغير يشبه العصفور) ، نزع عنها فراخها ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ فجعَ هذهِ بولدِها؟ ردوا ولدَها إليها” , ومنها قصـة ذلك الجمــل الـذي رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) فحَنَّ وذَرَفَت عيناه ، فأتاه النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلم) فمسح ذِفْـراه فسكتَ ، فقال (صلَّى الله عليه وسلم) : “من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟ “، فجاء فتى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال : ” أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه” (سنن أبي داود).
فكف الأذى عن الخلق أمر لا يتم إسلام المرء إلا به حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) مستخدما أسلوب القصر : ” المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ” (صحيح البخاري) , فمن لم يسلم الناس من لسانه ويده فليس بمسلم حقيقي , وليس بمؤمن من لم يكف أذاه عن الخلق , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ , قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ” (صحيح البخاري) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت ” (متفق عليه) .
بل إن ديننا الحنيف قد اعتبر كف الأذى عن الناس صدقة , حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جملة من خصال الخير وهو يحث أبا ذر (رضي الله عنه) على العمل بها، فقال أبو ذر (رضي الله عنه) : فإن لم أَسْتَطِعْ ، قال (صلى الله عليه وسلم) : “كُفَّ أَذَاكَ عَنِ الناس فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بها عن نَفْسِكَ” (رواه أحمد) , وقال (صلى الله عليه وسلم): ” تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ ” (صحيح مسلم) , وجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة وشعبة من شعب الإيمان , وإماطة الأذى عن الطريق صدقة , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الإيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ بابًا ، أدناها إماطةُ الأذَى عنِ الطَّريقِ ، وأرفعُها قَولُ : لا إلَهَ إلَّا الله” (صحيح الترمذي).