:أهم الأخبارمقالات

معركة البناء ليست نزهة

Mokhtar-Gomaa

ما أسهل الهدم والتخريب ، وما أصعب البناء والتعمير ، يقول الشاعر:

فلو كل بان خلفه هادم كفى

فكيف ببان خلفه ألف هادم

     إن الهدم والتخريب هو سمة النفوس الحاقدة الحانقة الحاسدة المريضة المتخلفة ، والجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة ، المنسلخة من كل معاني الآدمية والإنسانية ، المنفصلة عن كل الأديان والقيم .

التفجير هدم ، والتدمير هدم  ، والتكفير هدم ، والغش هدم ، والاحتكار هدم ، والفساد هدم ، والإفساد هدم ، والإرهاب هدم ، والإهمال هدم ، أما البناء والتعمير فهو شرعة خلفاء الله في الأرض ، حيث يقول سبحانه : ” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ” (هود :61) ، يقول (عز وجل) : ” عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ” (الأعراف : 129) ، ويقول سبحانه : محذرًا من المفسدين المخادعين بمعسول القول وحلو الكلام : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ” (البقرة : 204-205).

البناء يحتاج إلى إرادة وإلى عزيمة ، وإلى قوة وإعداد ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ “(الأنفال:60 ) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ” (رواه مسلم) ، فالقوة هنا ليست قوة الإيمان فحسب وإلا لقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) المؤمن القوي الإيمان ، وإنما هي قوة في جميع جوانب حياته ، في عقيدته الراسخة رسوخ الجبال ، في بنيانه الجسدي ، وبنيانه الفكري والثقافي ، ومقوماته الاقتصادية على مستوى الأفراد والدول ، وفي امتلاك أسباب الحياة وأسباب القوة ، وأسباب الحضارة .

إن بناء السلام يحتاج إلى بناء قوة تحميه ، ليكون سلامًا صحيحًا لا استسلامًا مغلّفًا بعباءة السلام ، وإن مقاومة الإرهاب ودحره تحتاج إلى تضحيات كبار ، وهو ما يقدمه أبناء قواتنا المسلحة الباسلة وزملاؤهم من أبناء الشرطة البواسل من جهد ودم وعرق وشهادة في سبيل الله والوطن.

وإن بناء وإقامة المشروعات الكبرى من منظومة الطرق والكهرباء واستصلاح الأراضي والمناطق الاستثمارية المتعددة إنما يحتاج إلى جهد ومال وفكر وعطاء.

وإن بناء منظومة تعليمية وتربوية وثقافية وقيمية وأخلاقية ووطنية صحيحة ليس نزهة أو مجرد أفكار أو أحلام نوم أو يقظة ، إنما هو جهود مضنية ومؤمنة بالله (عز وجل) وبوطنها ، يحمل همها رجال لا ينامون ولا يمكن أن يفكروا في الخلود إلى الراحة أو الكسل أو الفتور أو الإحباط ، إنما يحملون دائمًا مشاعل الأمل في غد أفضلٍ  ، رائدهم مرضاة الله (عز وجل) ، ومصلحة الوطن التي هي أيضًا مرضاة لله تعالى ، رجال لا يلهيهم ولا يثنيهم ولا يصرفهم عن هدفهم السامي أي صارف أو صادٍّ ، رجال مؤمنون بالله وبأوطانهم ، ولديهم الرؤية والفكر والقدرة على العطاء وتحمل المشاق .

     ولا شك أن بناء القيم والأخلاق أحد أهم ركائز بناء الحضارات ، فالحضارات التي لا تقوم على المبادئ والقيم تحمل عوامل سقوطها في أسس بنائها ، وقد أجمعت الشرائع السماوية كلها على ترسيخ وتأصيل القيم الإنسانية  من الأمانة والوفاء والعدل والصدق  والرحمة والمروءة والشهامة والنجدة ، وديننا الإسلامي الحنيف في أساسه قائم على الأخلاق ، ألم يقل نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ” ؟ وفي راوية : “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): ” إنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ” ، وسئل (صلى الله عليه وسلم) يا رسول الله : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: “التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ  عَلَيْهِ النَّاسُ ” (رواه مسلم) .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى