:أهم الأخبارمقالات

مصر الكرامة

Mokhtar-Gomaa

    لا نعلم بلدًا ذكر في القرآن باسمه صريحًا على النحو الذي ذُكرَتْ به مصر في القرآن الكريم ، حيث يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف عليه السلام : ” ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ” (يوسف : 99) ، ويقول سبحانه في شأن يوسف (عليه السلام) أيضًا : ” وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ” (يوسف : 21) ، فقد قال الحق سبحانه : ” وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ” ولم يقل سبحانه وتعالى : عزيز مصر أو ملك مصر ، لتغليب اسم مصر على اسم عزيزها، وكأن هذا التصرف الكريم هو التصرف الطبيعي من أهل مصر جميعًا حكامًا ومحكومين .

    وهذا فرعون مصر يعتز بملكه إياها قائلا : ” أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ” (الزخرف : 51) ، وكأن من ملك مصر إنما ملك الدنيا وما فيها ، فأرض مصر أرض مباركة  أقسم الحق سبحانه بطورها المبارك فقال سبحانه : ” وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ  ” (الطور : 1-4) ، وقال سبحانه : ” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ” (التين : 1-3) ، وقال سبحانه في شأن الوادي المقدس طوى بأرض سيناء الحبيبة مخاطبًا سيدنا موسى (عليه السلام) : ” يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ” (طه : 12) ، ويقول سبحانه : ” فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ” (القصص : 30) ، وقال سبحانه في شأن ما يخرج من سيناء من شجرة مباركة : ” وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ” (المؤمنون : 20) ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ” (المعجم الكبير للطبراني) ، وأوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) بمصر وبأهلها خيرًا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : “ إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً ، فذلك الجند خير أجناد الأرض” فقال سيدنا أبو بكر : ولم ذاك يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وسلم) : “إنهم في رباط إلى يوم القيامة ، وفي رواية إنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة” ، وكان سيدنا عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) يقول : إن مصر بلد معافاة ، وأهلها أهل عافية ، وهي آمنة ممن يقصدها بسوء ، من أرادها بسوء كبَّه الله على وجهه.

    وعندما استقبل أهل مصر آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآووهم وأكرموا نزلهم ووفادتهم قالت السيدة زينب (رضي الله عنها) : يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله, وآويتمونا آواكم الله, وأعنتمونا أعانكم الله, وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ، ومن كل ضيق مخرجًا.

    وعلى مدار تاريخها استقبلت مصر العلماء والفقهاء والأدباء وكل من قصدوها وبخاصة من فروا إليها من ويلات الحروب والأزمات بداية من آل سيدنا يعقوب عليه السلام إلى علماء الشام والعراق والأندلس ، قديمًا ، إلى اللاجئين إليها الباحثين عن الأمان فيها من السوريين وغيرهم حديثًا ، لم تغلق بابها يوما في وجه أحد ، فعلى الرغم مما هي فيه من ظروف اقتصادية صعبة فإنما مثلها ومثل قاصديها قول عروة بن الورد :

أتهـــــزأ منــــــي أن سمنـــت وأن ترى

بوجهي شحوبَ الحقِّ، والحقُّ جاهد

أُقسّمُ جسمي فـــــي جســـــــوم كثيــرة

وأحسـو قراح المــاء والمـــــاء بــــــارد

     فمصر المعطاءة لم ولن تتوانى يوما عن مد يد العون إلى أشقائها ما وسعها ذلك , ولن تتخلى عن أمن أشقائها أو أمتها العربية ، ولم ولن تعتدي على أحد ، ولم ولن تتآمر على أحد ، ولن تحيد عن مبادئها السامية الراقية وأخلاقها الرفيعة ، فمفرداتها السياسية مفردات راقية ، نزيهة ، شريفة ، حكيمة ، أبية ، في آن واحد ، وهي  أمور يصعب الجمع بينها إلا بتوفيق من الله (عز وجل) ، وقد تعمقت هذه المعاني في عصرنا الحاضر وواقعنا الراهن في ظل الرؤية الحكيمة للسيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي .

    على أن الحفاظ على كرامة مصر يقتضي أن نعمل ونعمل , ونكد ونتعب , ونقتصد ونرشد ، فالسبع العجاف على وشك الانتهاء بإذن الله تعالى، وعلينا أن نفيد في حاضرنا وماضينا مما قصه علينا القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) ، حيث يقول الحق سبحانه على لسانه (عليه السلام) : “تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ” (يوسف : 47-49) .

    فالزراعة دأبًا تعني منتهى الجد في العمل والانتاج ، وتركه في سنبله أخذ بالعلم في شئون الاقتصاد ، وفي قوله “إلا قليلاً مما تأكلون” منتهى القصد في الاستهلاك وهو عين ما نحتاج إليه الآن من اجتهاد في العمل والإنتاج والإتقان والأخذ بأسباب العلم في كل شىء مع ترشيد الاستهلاك .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى