:أهم الأخبارمقالات

مرضاة الله ورضا الخلق

مرضاة الله غاية كل مؤمن ، والسعي لها مقصد كل مخلص ، وهي سبيل المتقين ، ومنهج السالكين ، من سعى إليها رزق ، ومن عمل لها أجر وجبر ، ذلك أن ربّ العزة (عز وجل) قد قال في حديثه القدسي : ” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ ” (رواه مسلم).

أما رضا الخلق كلِّ الخلق فغاية لا تدرك ، ومرام لا ينال ، ذلك أن أي إنسان لا يمكن أن يسع الناس كل الناس بماله ، ولا بجاهه ، ولا بسلطانه ، حيث إن مطالب الناس منها ما هو منطقي ومشروع ، ومنها ما ليس منطقيًّا ولا مشروعًا ، ومنها ماهو في الطاقة والإمكانية وقابل للاستجابة والتحقيق ، ومنها ما هو فوق الطاقة والإمكانية بالنسبة للأفراد ، وما يحتاج إلى وقت لتنفيذه وفق إمكانات  المؤسسات والدول ، غير أن المسئولية الفردية والتضامنية والتكافلية تقتضي أن نعمل معًا على كل المستويات لقضاء حوائج الناس ، وبما يحقق لهم مقومات الحياة الإنسانية الكريمة ، ويطيب لي أن أسجل الآتي :

1- أن العمل على مرضاة الناس وتحقيق رضاهم فيما هو قانوني ومشروع طريق واسع إلى مرضاة الله (عزّ وجلّ) ، فمن يسر على معسر يسر الله عليه ، ومن فرج عن إنسان كربة فرج الله (عزّ وجلّ) عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر إنسانًا ستره الله في الدينا والآخرة ، ومن مشى في حاجة إنسان حتى يقضيها كان الله في حاجته ، فعن سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال : سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب يقول يعني نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنَ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلاثَةَ خَنَادِقَ ، أَبْعَدُ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ” .

2- أن العاقل الحكيم لا يعمل على مرضاة الناس بمعصية رب العباد ومخالفة أوامره ونواهيه ، كأن تكون مرضاة الخلق على حساب الحق والعدل والقانون ، وكما قالوا : أنت صديقي والحق صديقي ، فإن اختلفنا فالحق أولى بالصداقة ، فمن طلب رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس  ، ومن طلب رضا الله بإكرام الناس وحسن معاملتهم دون شطط أو تجاوز ، أومخالفة شرعية أو قانونية رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ذلك أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يحولها ويوجهها كيف يشاء.

3- أننا مأمورون بالتوازن بين أمريّ الدنيا والآخرة ، فيجب علينا أن نعمل على عمارة الكون ، وبناء الحضارة ، وأن نعمل بالتوازي لأمر آخرتنا ، وهذا سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول : كَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّة َ، فَقُلْتُ : لِي مَال ٌ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ : (لاَ) قُلْتُ : فَالشَّطْرِ؟ قَال َ: (لاَ) قُلْت ُ: فَالثُّلُثِ؟ قَال َ: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِم ْ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَة ٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ ، وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ) (صحيح البخاري) ، وفي الأثر : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.

4- لقد آثرت التعبير في جانب رضا الله (عز وجل) بلفظ “مرضاة” لأن زيادة المبنى زيادة في المعنى ، وعلى المؤمن الصادق أن يطلب في جانب مرضاة رب العزة أعلى درجات الرضا ، ويكون ذلك بالعمل على تحقيق أعلى درجات التقوى ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” (آل عمران : 102) .

أما في جانب الخلق فقد آثرت التعبير بكلمة (رضا) وهي أن أقل الصيغ مبنى أقلها معنى ،ذلك أنك لو اجتهدت في إدراك أدنى درجات رضا الخلق جميعًا فلن تدرك، مالم يشملك رب العزة بعنايته ورعايته ، فيفتح لك من قلوب العباد ما أراد ، وذلك حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) : ” وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” (الأنفال : 63) ، فيجب أن نعمل على رضا الخلق بمرضاة الخالق لا بغضبه ولا بمخالفة أمره .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى