:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

مخاطر السقوط الاقتصادي للدول

  سقوط الدول قد يكون من خارجها ، وقد يكون من داخلها ، ومخاطر السقوط من الداخل لا تقل عن مخاطر السقوط من الخارج ، بل إنها أشد وأعتى ما لم تنتبه الدول لذلك.

  فالعدو الخارجي عدو ظاهر تتوحد الشعوب غالبًا في مواجهته ، وهو عدو شرس لا يستهان به في ظل حروب الجيل الرابع والجيل الخامس ، وتطور وسائل وأدوات وإدارة الحروب الحديثة ، غير أن محاولات إسقاط الدول من داخلها تظل هي الأخطر والأكثر مكرًا ودهاء , سواء أكان ذلك بفعل عوامل خارجية أم بفعل عوامل داخلية , أم بهما معًا ، وقد يكون ذلك من خلال اللعب على الانقسامات الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو القبلية ، غير أن هذا الأمر أيضًا مكشوف إلى حد كبير ، وتنبهت كثير من الدول لمخاطره ، وأخذت حذرها منه ، وصارت تعمل على وأد هذه الفتن في مهدها .

  وليس بعيدًا عن ذلك موضوع بث الأكاذيب والشائعات التي تعمل على النيل من الرموز الوطنية , وتشويه كل إنجاز , وتهويل الهنات اليسيرة وتضخيمها , مع اختلاق الأكاذيب والافتراءات التي يعملون من خلالها على بث اليأس والإحباط في نفوس الناس ، قصد إثارتهم ضد دولهم أو تثبيط حماسهم عن العمل لأجلها على أقل تقدير .

  على أن ذلك كله قد يمكن التغلب عليه حال وجود اقتصاد قوي مستقر يمكن الدول من الوفاء بالتزاماتها المحلية والدولية من توفير حياة كريمة لمواطنيها ، أما في حالة الضعف الاقتصادي فإن الفرصة تكون أوسع أمام الأعداء المتربصين بالدول ، العاملين على إسقاطها وإدخالها في فوضى لا تنتهي .

  وعليه فلا بديل من الاعتماد على الذات من خلال زيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك ، وهو ما يجمع عليه خبراء الاقتصاد , وتحث عليه تعاليم الأديان ، وهو ما نجده في قول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) : “ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ” , فهي دعوة إلى زيادة الإنتاج من خلال العمل الجاد الدءوب وإلى ترشيد الاستهلاك إلى أقصى درجة ممكنة , حيث قال الحق سبحانه : ” إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ” ولم يقل إلا ما تأكلون.

  وفي الدعوة إلى الإنتاج يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا  يقوم حتى يغرسها فليغرسها” , وفي الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ” .

  فتحسن اقتصاد الدول أو تفادي السقوط الاقتصادي يقومان على أسس أولها : زيادة الإنتاج , وليس مجرد زيادته بل الزيادة مع الإتقان والإبداع والابتكار واقتحام المجالات الأكثر حيوية والأكثر عائدًا ومردودًا اقتصاديا .

  ثانيها : ترشيد الاستهلاك , ليس في مجال الطعام والشراب فحسب , بل في كل جوانب العملية الاقتصادية : في المياه , في الكهرباء , في الغاز , في كل الخامات والأدوية المستخدمة حياتيًّا.

  ثالثها : وهو بيت القصيد وفاء جميع الأفراد بالتزاماتهم تجاه وطنهم , والتخلص من الروح الاتكالية من محاولة الحصول على الخدمات دون أداء ما يقابلها , أو محاولة الحصول عليها دون قيمتها الحقيقية.

  ومع تأكيدنا على أهمية تكثيف برامج الحماية الاجتماعية فإنها إنما يجب أن تذهب إلى مستحقيها الحقيقيين من الفئات الأولى بالرعاية , وأن يتحلى الجميع بالقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بتعفف من لا يستحق حتى تذهب مخصصات برامج الحماية لمن يستحق.

  رابعها : إدراك أن إتاحة الخدمة خدمة , وأن المشكلة الكبرى تكمن في عدم قدرة الدول على إتاحة الخدمات الأساسية لمواطنيها نتيجة التوسع في الخدمات وعدم سداد الناس ما يقابلها ويضمن استمرارها .

  ولو ضربنا أنموذجا بالكهرباء مثلا , فقد مرت بنا فترات صعبة من انقطاع الكهرباء وتدهور الخدمة مما كان له أثر شديد السلبية على مفاصل الدولة الاقتصادية من جهة ونفوس المواطنين من جهة أخرى , غير أن وزارة الكهرباء لم تكن أبدًا قادرة على توفير الخدمة فضلا عن تحسينها في ظل عدم وفاء المواطنين بسداد مقابلها , وبما يمكن الوزارة وشركاتها من تطوير بنيتها التحتية , ناهيك عن مصروفات ومتطلبات التشغيل وتجديد المحطات , وإضافة محطات جديدة وتوفير الوقود اللازم لتشغيلها , أما في حالة سداد القيمة العادلة للخدمة فإن الوزارة بلا شك ستتمكن من استمرار الخدمة بل وتطويرها , وهكذا الأمر في السكة الحديد , ومترو الأنفاق , وسائر الخدمات .

  أما تهرب البعض من سداد مستحقات الخدمات أو حرصه الشديد على النفع الخاص ولو على حساب النفع العام فأمر يتنافى مع كل القيم الدينية والمبادئ والنظم الاقتصادية العادلة , ويؤدي إلى تدهور الأحوال الاقتصادية للدول وربما  سقوطها اقتصاديا بما يؤدي إلى السقوط العام لها .

  وليس بعيدًا عن ذلك من يريدون أن يتعاملوا مع مال الوقف بيعا أو شراء أو تأجيرًا بأقل من قيمته السوقية العادلة , وهم يعلمون أنه مال الله لا يجوز الافتئات عليه أو انتقاص حقه , وهو ما دفعنا إلى اتخاذ قرار حاسم بألا نتعامل مع مال الوقف بغير القيمة العادلة في كل ما يمكننا القانون من التعامل معه بالقيمة العادلة , والتقدم بتعديل تشريعي فيما يحتاج إلى تشريع لأداء حق مال الوقف الذي هو مال الله (عز وجل) , ويفي بتحقيق شروط الواقفين , ويشجع الناس على مزيد من الوقفيات لصالح الصحة أو التعليم أو الفقراء وسائر مجالات البر.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى