مال الوقف ومال اليتيم
مال الوقف هو مال الله ، وهو لما أُوقِفَ له ، فشرط الواقف كنص الشارع ، فهو واجب النفاذ ، مالم يُحِل حرامًا أو يُحَرّم حلالاً ، ولا أعلم وقفا واحدًا أو واقفًا واحدًا أوقف وهو يبتغي وجه الله (عز وجل) ، أحل حرامًا أو حرم حلالا ، إنما هو بغية الفضل والرضا والقبول والمثوبة.
ومال الوقف مال خاص بما أوقف له أو عليه ، غير أن نفعه قد يتعدى الخاص إلى العام ، عندما يكون وقفًا على عموم الفقراء ، أو عموم المساجد ، أو على التعليم ، أو علاج المرضى ، أو على عموم الخيرات باتساع أبوابها .
ومن ثمة فإن حق هذا المال لا يسقط بالتقادم أبدًا ، والاعتداء عليه أو تسهيل الاستيلاء عليه أو الإهمال في حقه وعدم المحافظة عليه إثم كبير وجرم مقيم ، فهو بمثابة مال اليتيم وأشد ، فكلاهما نار تحرق جسد من يقترب منهما بغير حق في الدنيا والآخرة ، حيث يحول هذا المال الحرام حياة آكله إلى جحيم في الدنيا “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” ، حيث يقول الحق (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز : ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ” ويقول سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً) .
والقائمون على شئون الوقف كالقائم على مال اليتيم ، وقد نظم لهم القانون حقوقهم وواجباتهم ، غير أن هناك قانونًا أعظم ، لا يفلت منه أحد ، هو قانون السماء وعدالة السماء ، حيث يقول الحق (سبحانه) في شأن القائم على مال اليتيم : ” وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ”، فعلينا جميعًا أن نستحضر نية مرضاة الله ، وأن نبتغي – إلى جانب القيام بمهمتنا الوظيفية- وجه الله في الحفاظ على هذا المال ، وأن نحرص على استرداد ما اعتدي عليه منه ، وأن نعمل على تنميته وتعظيم استثماراته وعائداته ، مدركين أن ما نقوم به إنما هو عمل جليل في خدمة الدين والوطن ، وأن نُقْصِيَ عنه أي فاسد أو مُعَوّق ؛ لأن الأمانة ثقيلة لمن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها، مع تأكيدنا أن الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة وسيظل ، وأن هناك مجموعة من الرجال والشباب المؤمنين الوطنيين داخل هيئة الأوقاف وخارجها يعملون الآن بهمة وحماس للوفاء بمهمتي المحافظة على المال وتطوير وتحسين وتعظيم استثماراته ، مبتغين وجه الله (عز وجل) ، ومصلحة الوطن والوفاء بحق الأمانة التي حملوها ، والخير لأنفسهم ولزملائهم ، وهو ما يستحقون عليه التشجيع والتقدير ، وإن كانت هذه الجهود ما تزال في بدايتها وتحتاج إلى الرعاية والدعم ، وهم ونحن معهم على أمل كبير في النهوض بمنظومة الأوقاف بإذن الله تعالى .
ويبقى هؤلاء المتربصون بالوقف ، المتطلعون إليه ، الذين لا يردعهم دين ولا خلق كريم عن الاعتداء عليه أو محاولات هذا الاعتداء ، أو التحايل في الاستيلاء عليه ظلمًا وعدوانًا غصبًا أو تدليسًا ، أو إيهامًا للنفس بالشراء الذي تحول لدى البعض بصور غير مشروعة إلى محاولات للنهب ، وإلى جانب هؤلاء كل متواطئ أو صامت على جرائمهم ، أو مستغاث به غير مغيث ، أو غير مكترث ، أوغير مهتم أو جاعل مال الوقف في ذيل أولوياته ، أو ناظر إليه على أنه مال لا صاحب له ، ولهؤلاء وأولئك نقول : إن لهذا المال صاحبًا لا يغفل ولا ينام ، ولن ينتفع أحد بمال الوقف بغير حق فيهنأ به أبدًا ، إنما يكون عليهم حسرة في الدنيا قبل أن يقال يوم العرض على الله (عزوجل) : “وقفوهم إنهم مسئولون” ، فماذا هم لربهم قائلون ؟ .
وعلى الجانب الآخر هناك من يحمل راية الوقف ويريدها عالية خفاقتًا ، ويعمل على استرداد جميع حقوقه ، خشية لله ، وإحقاقًا للحق ، وصونًا للوقف ، وتفعيلاً لدوره في العمل الخيري والاجتماعي وصالح الفقراء والمحتاجين ، وسائر أوجه البر التي أوقف لها ، من نشر الفهم المستنير للدين ، وإعداد الدعاة وتدريبهم ، وعمارة بيوت الله ، وسائر وجوه البر والخيرات ، فجزى الله كل من جعل قضية الوقف نصب عينيه ، وعلى رأسهم سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية الذي حرك بتوجيهاته السديدة وعنايته بأمر الوقف الماء الذي كان راكدًا في هذه القضية ، ثم يأتي شكر آخر للسيد المهندس / إبراهيم محلب مساعد السيد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية ، ولجميع السادة أعضاء اللجنة المشكلة لاسترداد أملاك الأوقاف والعمل على تعظيم استثماراتها وجميع معاونيهم واحدًا واحدًا ، وأقول لهم ولجميع العاملين بهيئة الأوقاف : إنكم لتؤدون عملا لو تعلمون عظيمًا ، وقد حدثني السيد المهندس / إبراهيم محلب في اجتماع اللجنة الثالث الذي انعقد يوم الأحد 14/8/2016م ، ونحن نعد خطة شديدة الإحكام لحصر أموال الأوقاف ، قائلاً : لو لم نعمل في حياتنا شيئًا آخر غير تحصين هذا المال من النهب للقينا الله عز وجل ونحن على أمل في ألا يردنا عنه خائبين ، وإننا لندرك أن اليوم عمل وغدًا الحساب ، ” يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” .
على أننا جميعًا في حاجة ماسة إلى رحمته سبحانه وإلى عونه وتأييده وتسديده ، وأن يوفقنا لخدمة دينه ، وخدمة وطننا ، وخدمة مال الوقف ، والوفاء بحق ما كلفنا به ، وأن يعيننا على ذلك ، إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه ، وهو الموفق والمستعان .