:أهم الأخبارمقالات

لمـــاذا المدرســــة؟

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

       لا شك أن المدرسة في حقيقة أمرها ليست مجرد وعاء دراسي أو مكان للدراسة إنما مراميها ومبانيها أبعد وأعمق من ذلك بكثير ، فهي ميدان التربية ، وميدان التعليم , وميدان التثقيف والتهذيب, وهي موطن صناعة المواهب في مجالات عديدة منها : الكتابة ، والشعر، والقصة ، والأقصوصة ، والتدريب على الصحافة من خلال الصحافة المدرسية ومجلات الحائط ، والتدريب الإعلامي المبكر من خلال ما يقدمه الطلاب في طابور الصباح وفي المناسبات المختلفة , وهي ذات باع كبير في مجال صنع المبدعين والأبطال الرياضيين من خلال دوري المدارس ومسرح المدرسة , وعلى أقل تقدير يجب أن تكون المدارس كذلك.
وهي مجال صناعة القدوة ، فأثر المعلم القدوة في طلابه وتلاميذه أبعد أثرًا من شخص آخر ، وقد قالوا : حال رجل في ألف خير من كلام ألف رجل ، ولذا قال شوقي :

قم للمعلــم وفــــه التبجيـــلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
إن تعليمًا حقيقيًا يساوي تقدمًا حقيقيًا، وقد قال الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهــم
لم يبن ملك على جهل وإقــــــلال

وإن انحرافا عن المدرسة ودورها التربوي يعني انحرافًا عن القيم والسلوك القويم، وعن لغة العلم إلى لغة الشارع، ومن السلوك المنضبط إلى السلوك المنحرف.
إن الانضباط المدرسي أول سلم الانضباط الشخصي في سائر جوانب حياة الشخص ، ثم تلميذًا ، فطالبًا , ذلك أن تعود الذهاب إلى المدرسة والالتزام بضوابطها التي قد يراها التلاميذ صارمة يعني تعودًا على الانضباط السلوكي وقدرة على التكيف المجتمعي في سائر جوانب الحياة , وإن انفلاتًا مما قد يراه البعض قيدًا مدرسيًا إنما يعني عدم القدرة على التكيف المستقبلي مع ضوابط العمل الجاد .
المدرسة هي محضن هام لصناعة الوطنية المبكرة ابتداء من احترام علم الدولة الخفاق إلى ترديد نشيدها الوطني الذي يترسخ في أذهان التلاميذ منذ نعومة أظافرهم , إلى الحرص على نظافة المكان والحفاظ عليه، إلى التعود على العمل الجماعي من خلال العناية بالفصل، فالفناء، فمحيط المدرسة، وصولا إلى الحفاظ على المال العام من أثاث مدرسي وخلافه , إلى احترام المعلم والكبير والمربي والمجتمع ، والتفاعل معه من خلال الأنشطة المدرسية التفاعلية مع المجتمع ، إلى الحفاظ على البيئة وترشيد استخدام المياه والكهرباء وأدوات التعلم إلى روح العمل الجماعي ، إضافة إلى التفاعل المبكر مع المعامل المدرسية وصناعة الوسائل التعليمية وفرق العمل المشتركة لحل المشكلات العلمية، إلى المنافسة الشريفة من خلال مسابقات أوائل الفصول , فأوائل الدراسة ، فأوائل الإدارات ، فالمديريات ، فأوائل الجمهورية .
إن تعليمًا ينشأ خارج أسوار المدارس لتعليم منقوص مبتور لا يتسق ومواهب أبنائنا ولا يعمل على تنميتها وما يجب أن ينشأوا عليه منذ الصغر ، مع تأكيدنا أن التعليم والتهذيب وقت الصغر لا يدانيه أو يقاربه شيء آخر ، وهذا شوقي يقول :

سارت مهــــا مسرورة مــــع والـدٍ حـــــانٍ أبــــــر
فرأت هنالك نخلـــــة معوجــــة بيـــــن الشجــر
فتناولــــت حبــــــلًا وقالــــــت يا أبي هيا انتظر
حتــــى نقــوم عودها لتكون أجمل في النظر
فأجاب والدهـــا : لقد كبـــرت وطال بها العمر
ومـــــن العسيـــــر صلاحها فات الأوان ولا مفـــر
قد ينفـــع الإصــلاح والتهذيب في عهد الصغر
والطفل إن أهملتــــــه نشــــــئًا تعثر في الكـبــر

مما يتطلب منا جميعا التعاون والتعاضد حتى يعود للمدرسة دورها , وأن يحرص أولياء الأمور على تشجيع أبنائهم على الانضباط المدرسي ، وأن يعمل المعلمون القائمون على العملية التعليمية على ترغيب الطلاب وتحفيزهم على الحضور إلى المدرسة من خلال رعاية كاملة وتشجيع للمواهب المختلفة , خدمة لديننا ووطننا وأبنائنا وواجبنا , كل في مجاله وميدانه ، وأن تضافر الجهات المختلفة في رعاية المواهب المدرسية كل فيما يخصه ويعنيه حتى ننهض بوطننا ونرقى به إلى المكانة التى يستحقها .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى