قواتنا المسلحة الباسلة : ٤٦ عاما من التضحية والعطاء
في السادس من أكتوبر عام 1973م العاشر من رمضان 1393هـ عبرت قواتنا المسلحة المصرية الباسلة خط بارليف المنيع الذي كان الجيش الإسرائيلي يظن أنه حصن لا يُعبر , وقهرت الجيش الإسرائيلي الذي كان يقال عنه إنه لا يقهر , وأعادت لمصرنا العزيزة وأمتنا العربية عزتها وكرامتها وثقتها في نفسها .
وواصلت قواتنا المسلحة عطاءها الوطني , لم تتخل يوما ما عن قضايا وطنها وأمتها , فهي درع الأمة وسيفها , ثم كانت تلك المواجهة الحاسمة مع قوى الشر والظلام والإرهاب من الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تعمل رأس حربة لأعداء أمتنا قصد تفكيكها وتفتيت وتمزيق كيانها وإسقاط دولها الوطنية , للاستيلاء على خيراتها ومقدراتها, ففي الوقت الذي سقطت فيه بعض دول المنطقة في أتون الفوضى والاضطراب كانت قواتنا المسلحة على أهبة الاستعداد لدحر وقهر العناصر والجماعات الإرهابية , ولم يقف عطاؤها عند هذا الحد , بل إنها وقفت شامخة : يد تبني وأخرى تحمل السلاح.
لقد كانت حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973م ملحمة من العطاء والفداء وأبرزت بسالة وصلابة وقوة وفدائية الجندي المصري واستعداده للتضحية في سبيل وطنه , وجسدت روح التكامل بين الشعب وقواته المسلحة , حيث وقف الشعب المصري كله صفا واحدا خلف قواته المسلحة , وها هما : الجيش والشعب ينسجان ملحمة جديدة من اللحمة بين الجيش المصري والشعب المصري , فهما شيء واحد , فالجيش المصري هو ابني وابنك وأخي وأخوك ووالدي ووالدك , هو من صميم هذا الشعب من لحمه ودمه , لم يضم يوما ولم يعتمد قط على المرتزقة أو المأجورين , إنما اعتمد عبر تاريخه على نخبة من خيرة أبناء الشعب المصري الذين تربوا في المدرسة العسكرية المصرية مدرسة الوطنية ومصنع الرجال الأبطال العظماء الذين يحملون أرواحهم على أكفهم يقبلون على الشهادة إقبال غيرهم على الحياة , مؤمنين بالله (عز وجل) وبهذا الوطن العظيم , موقنين بما أعده الله (عز وجل) للشهداء من عظيم المكانة والمنزلة , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران : 169) , ويقول تعالى: “وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ” (آل عمران: 140) .
وعندما نصف جيشنا المصري بأنه جيش عظيم فإن هذا الوصف لا يأتي من فراغ ، فثمة أمور عديدة تجعلنا أكثر تأييدًا لجيشنا الوطني والتفافا حوله , من أهمها:
1- أن الجيش المصري يُعد درع الوطن وسيفه , بل درع الأمة العربية وسيفها , وأحد أهم عوامل أمنها وأمانها واستقرارها , في ظل قيادة سياسية واعية تعي جيدًا مفهوم الأمن القومي العربي , وتعمل بكل ما أوتيت من قوة على الحفاظ عليه في ضوء الفهم الدقيق للمصير العربي المشترك .
2- أن الجيش المصري لم يكن عبر تاريخه الطويل ظالمًا أو معتديًا , وإنما ينطلق من منطلقين : إسلامي , ووطني لا ينفك أحدهما عن الآخر , وهو أن مهمته دفع الظلم والاعتداء على الوطن أو الأمة العربية , ودحر قوى الإرهاب والتطرف.
3- أن الجيش المصري له خصوصيات كثيرة ، نذكر منها :
1- أنه يعمل في كل الاتجاهات .. يد تبني , وأخرى تحمل السلاح , فهو جيش بناء , يسهم بقوة في التنمية , سواء في التنمية العامة والمشروعات الكبرى ، أم في تنمية وتطوير منشآته ومعداته وتسليحه وتدريب أفراده ، في اعتماد كبير على الذات والقدرات الخاصة , حتى في أصعب الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد .
2- اللحمة الكبيرة بين الجيش والشعب والتي تشكلت وبنيت على الثقة المتبادلة والتاريخ الوطني الكبير لهذا الجيش , وهو أنه لم يكن يومًا ما في مواجهة شعبه , إنما كان دائمًا وعلى طول الخط في مصلحة شعبه ووطنه ودون أي حسابات أو اعتبارات أخرى .
3- أنه لم يعتمد عبر تاريخنا الطويل وفي أي مرحلة من مراحل تكوينه على المرتزقة , إنما يعتمد على البنية الوطنية الصلبة , فهو جيش وطني بامتياز , ولم يقم على الإغراء المادي لمنتسبيه أو مجنديه , إنما بني على العقيدة الوطنية وعلى الرغبة القوية في الذود عن حياض الوطن والوفاء بواجبه , فقد أسس على إيمان وعقيدة وطنية سليمة وعلى لحمة وطنية دون أي تفرقة بين أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين , فنحن جميعًا مصريون وطنيون.
وقد تجسدت هذه الروح في إصرار من يصاب من أبنائه في مواجهة الإرهاب على العودة مرة أخرى إلى صفوف المواجهة , ذلك لأنهم أصحاب قضية وطنية من جهة , وأنهم تربوا في مدرسة الوطنية من جهة أخرى .
وهذا كله يستدعي مساندة هذا الجيش من جهة , وتوجيه التحية والتقدير لكل أفراده وقياداته ومن ربوا أبناءه على هذه الروح من جهة أخرى .