قافلة علماء الأوقاف
تجوب محافظة بور سعيد
تجوب محافظة بور سعيد
برئاسة معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة واصلت يوم الجمعة 23 / 12 / 2016م القافلة الدعوية لعلماء وزارة الأوقاف عطاءها العلمي والدعوي بالمساجد الكبرى بمحافظة بورسعيد ، بمناسبة عيدها القومي . وقد واصلت القافلة عطاءها العلمي والدعوي ، حيث قام أعضاء القافلة بإلقاء خطب الجمعة بالمساجد الكبرى بالمحافظة ، وكان موضوع خطبة الجمعة الموحد بعنوان : ” ابدأ بنفسك.. المبادأة والمبادرة نحو القيم والأخلاق وخدمة المجتمع ” .
وقد أبرز علماء القافلة عظمة الدين الإسلامي وأنه دين يجمع بين القيم الفاضلة والمُثُل العالية ، فلم يترك فضيلة من الفضائل ولا قيمة من القيم تسمو بها النفوس إلا دعا إليها وحثَّ على التمسك بها ، وما ترك خلقًا ذميمًا إلا نهى عنه وحذَّر منه ، مؤكدين أهمية المبادرة إلى غرس القيم والأخلاق النبيلة التي تسهم في تقدم المجتمع ورقيه وازدهاره.
فمن على منبر مسجد الشاطئ بمدينة بورسعيد أكد فضيلة الدكتور / رمضان عبد السميع إبراهيم الباحث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة بالوزارة أن الله تعالى أمر عباده بالمبادرة إلى التحلي بالقيم النبيلة والأخلاق الحميدة والمسارعة إليها حتى توصلهم إلى مغفرته ورضوانه، قال سبحانه:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال عز وجل:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، وقال تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، مشيرًا إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حثَّ على المبادرة إلى الطاعات وفعل الخيرات ، بقوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ؛ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا)، وقوله: (بَادِرُوا بِالأعْمَال فتنًا كقطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤمِنا ويُصبحُ كَافِرًا ، يَبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا)، وقوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)، فالمسلم الحق حريص على المسارعة إلى فعل الخير.
ومن على منبر مسجد السيدة مريم بمدينة بورسعيد أوضح الدكتور/ ياسر معروف خليل الباحث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة بالوزارة أن على الإنسان أن يبـادر إلى التحـلي بحسن الخلق ، ويبدأ بنفسه في تطبيق منهج الله (عز وجل) وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة لها عدة مجالات متنوعة ، من أهمها : مبادرة الإنسان إلى القيم الأخلاقية ، فهي لبُّ الدين وجوهر رسالته التي دعا إليها ورغَّب فيها وحثَّ على التخلق بها ، لما لها من مكانة رفيعة ومنزلة عالية، فقد سئل (صلى الله عليه وسلم) ما الدين؟ قال: (حسن الخلق). ووصف عَبْد اللَّهِ بْن المُبَارَكِ حُسْنَ الخُلُقِ فَقَالَ: (هُوَ بَسْطُ الوَجْهِ، وَبَذْلُ المَعْرُوفِ، وَكَفُّ الأَذَى)، ولقد أولاها النبي (صلى الله عليه وسلم) عناية فائقة، حيث أعلن أنها الغاية الأولى من بعثته ورسالته ، فقال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارم الأَخْلاقِ) ، وكان (صلى الله عليه وسلم) مثلاً أعلى في التخلق بالقيم الأخلاقية السامية التي تدل على صفاء النفس وكمال العقل، لذا وصفه ربه بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فاجتمعت فيه الفضائلُ كلُّها، وهذا ما أكدته أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ (رضي الله عنها) حين سئلت عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) موضحًا أن آيات القرآن الكريم تُرغِّب في التحلي بالقيم الأخلاقية ، وما ذلك إلا لأن الأخلاق ميزان شرعي يهذِّب الإنسان ، ويرقى به إلى مدارج الكمال ، ومن ذلك قوله سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وسلم):{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{، وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقوله عز وجل : {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْــوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَـرَ بِصَدَقَـةٍ أَوْ مَعْـرُوفٍ أَوْ إِصْـلَاحٍ بَيْنَ النَّاس وَمَنْ يَفْعَـلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومن على منبر مسجد الرحمة بمدينة بورسعيد أكد الدكتور/ عمرو محمد عبد الغفار الباحث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة أن المبادرة إلى القيم الإنسانية تحافظ على كرامة النفس واحترامها ، مشيرا إلى أن ديننا الحنيف مفعم بالقيم الإنسانية سواء في أخلاقه أم في تشريعاته، فعندما كرم الإسلام الإنسان كرَّمه على أخلاقه الإنسانية بغض النظر عن لونه أو جنسه أو لغته أو عرقه، فقال سبحانه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، لم يقل: كرمنا المسلمين وحدهم، أو المؤمنين وحدهم ، أو الموحدين وحدهم ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)، موضحًا أن القرآن الكريم حين تحدث عن خيرية هذه الأمة ربطها بالقيم الإنسانية ، فخير الناس أنفعهم للناس ، قال سبحانه :{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}، وحين سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) : أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله (عز وجل)؟ قال: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دينًا ، أَوْ تطْرد عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا…). موضحا أن القيم الإنسانية في الإسلام متعددة شاملة ، فلا فرق بين المسلم وغيره ، فالكل تجمعهم الأخوة الإنسانية ، فحين مرت جنازة من أمام النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قام (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لها، فقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ ، قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟).
وإذا أردنا نماذج عملية للمبادرة الأخلاقية والإنسانية والسلوكيات الراقية التي لها أكبر الأثر في النهوض بالمجتمع والوطن، فلنبدأ بقيمة النظافة : فالنّظافةُ سُلوكٌ إسْلاَمِيٌّ إِنْسانِيٌّ مُتَحَضّرٌ يَعْكِسُ رُقِيَّ الأفْرَادِ وحَضَارةَ المُجْتمَعَاتِ، فَعَلىَ كُلٍّ منَّا أنْ يَعْمَلَ عَلَى نَظَافَةِ جَسَدِهِ ، وثَوبِهِ، ومكانِهِ ، ومحلِّ عمَلِهِِ ، وأن يُسْهِمَ قَدْرَ استِطَاعَتِهِ في نَظَافَةِ مجْتَمَعِهِ، حتى نَكُونَ مُجتَمَعًـا راقِيًا نَظِيفًـا مُتَحَضِّرًا، يُتَرجِمُ إيمَانَهُ بدِينِهِ وقِيَمِـهِ إلى سُلوكٍ عَمَليٍّ وواقِعيٍّ ، يقول نبيُنَا (صلى الله عليه وسلم) : (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ).
وكذلك قيمة النظام، فهي قيمةٌ إنسانيةٌ وضرورةٌ اجتماعيةٌ تحرص عليها المجتمعات والأمم الراقية، ومن ثمَّ يجب الالتزام بها والمحافظة عليها ، وأن لا يتخطى كل إنسان دوره ، وأن يكون أسوةً طيبةً لمن حوله، فاحترام الإنسان لدوره هو احترام للنفس وللغير .
وكذلك الالتزام بحق الطريق من حيث إماطة الأذى عنه ، واحترام إشارات المرور ، والالتزام بالسرعة المقررة على الطرق وسائر ضوابط السير والمرور ، فإذا بدأ كل إنسان بنفسه ملتزمًا بتلك القواعد كان قدوة طيبة لغيره ، ومن ثمَّ ينصلح حال المجتمع ، فالقيم الخُلُقية هي التي تعصم المجتمعات من الانحلال، وتصونها من الفوضى والضياع ، فسلامة الأمة وقوة بنيانها ، وسمو مكانتها وعزة أبنائها بتمسكها بالقيم الأخلاقية والمبادرة إليها.
فما أحوجنا إلى استعادة وترسيخ هذه القيم التي دعا إليها ديننا الحنيف لنحقق بصدق خيرية هذه الأمة كما أرادها الله (عز وجل)، فنستحق بها رحمته سبحانه، وأن نغير الصورة القاتمة التي رسمها المنتسبون إلى الإسلام الحنيف زورًا ، وهو منها براء.