:أهم الأخبارمقالات

غنى النفس وفقرها

Mokhtar-Gomaa

يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ” (رواه مسلم) , فالغنى الحقيقي ليس في كثرة المال والعرض الزائل من متاع الدنيا ، إنما هو في رضى النفس وقناعتها ، وكذلك أيضًا الفقر هو في فقر النفوس وطمعها لا في قلة ذات اليد ، على حد قول الشاعر :

وَالفَقــرُ في النَفسِ لا في المالِ تعرِفُهُ

وَمِثـلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ

ويقول الآخر :

يا خادمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِـــهِ

أتَطلُبُ الرِّبْـحَ فيمــــا فيـــه خُســـرانُ

أقْبِلْ على النفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها

فَأَنْتَ بالنفــــسِ لا بالجســـمِ إنســــانُ

وقديمًا قال الشاعر العربي:

إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ

فَكُـــــلُّ ثيــــــــاب يَرتَديـــــهِ جَميـــــلُ

تُعَيِّرُنــا أَنّـــــــــا قَليـــــــــــلٌ عَديدُنـــــــا

فَقُلتُ لَهـا إِنَّ الكِـــــــــــرامَ قَليــــــــــلُ

وَمـــا ضَرَّنـــــا أَنّا قَليــــــــلٌ وَجارُنــــــــا

عَزيزٌ وَجــارُ الأَكثَريــــــــــنَ ذَليــــــــلُ

وقال أحدهم مادحا جعفرين يحيى البرمكي :

يريد الملــــــوك مــــــــدى جعفـــــــر

ولا يصنعـــــــــــون كمـــــــا يصنـــــــع

وليس بأكثرهـــــــم فـــــــي الغنـــــى

ولكــــــــــــن معروفـــــــــــــه أوســـــع

وكان الآخر يقول :

أمَــــــتُّ مَطَامِعــــي فأرحْتُ نَفْسي

فإنَّ النَّفـــسَ ما طيعــــــت تهـــــونُ

وَأَحْيَيْـــــــتُ القُنُــــــوع وَكَـانَ مَيْتاً

ففي إحيائـهِ عــــــــرضٌ مصـــــــونُ

إذا طمـعٌ يحــــلُ بقلـــــبِ عبــــــدٍ

عَلَتْــهُ مَهَانَـــــــة ٌ وَعَـــــــلاَهُ هُــــونُ

ويقول الآخر:

لا تسألـــــن بنـــــــــي آدم حاجــــةً

وسل الـــــذي أبوابه لا تحجــــب

الله يغضب إن تركــت سؤالــــــــه

وبني آدم حيــن يُسأل يغضـــــــب

       ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “طوبى لمن رُزق كفافا وقنعه الله بما آتاه” ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : “َإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ” .

وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، أَلا فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ” , فلو أدرك كل إنسان قولًا ويقينًا وعملًا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ليس له إلا ما كتب ، وأن ما كان له سوف يأتيه ، وأن ما ينفق من خير يوف إليه أضعافًا مضاعفة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة: 261) ، ويقول سبحانه : ” الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” (البقرة : 274)  ، وأدرك من جانب آخر أنه ما من عبد يفتح باب ذل أو مسألة من غير حاجة إلا فتح الله عليه باب فقر , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ , قَالَ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا” ، لو أيقن الناس ذلك لهدأت النفوس واطمأنت واستقرت ، وتبدل خوفها أمنًا ، وقلقها طمأنينة ، وامتلأت غنى حقيقيًّا , وابتعدت عن فقر النفوس وضجرها وآلامها وهمومها.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى