:أهم الأخبارمقالات

عوامل القوة والضعف في بناء الدول

mokhtar-gomaa3

لاشك أن الدول لا تبنى بغير العمل ، والعمل أمرٌ شاقٌ يحتاج إلى عزيمةٍ قويةٍ ، وسواعد فتية ، وأناس مؤمنين بأوطانهم ، كما أن الأوطان لا تُبنى بالكلام ولا بالشعارات ، ولا بالأثرة والأنانية.

أما أهم عوامل القوة فتتمثل في عمق الانتماء للوطن والإيمان به والعمل لأجله ، وتتمثل كذلك في سواعد شبابه وخبرة شيوخه ، والتكامل بين جميع أبناء الوطن رجالًا ونساءً ، شبابًا وكهولًا ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” ، ويقول سبحانه : “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” ، ويقول سبحانه : “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ، وتتمثل كذلك في القضاء على الفساد والإهمال بكل صورهما وأشكالهما ، سواء أكان هذا الفساد رشوةً أم اختلاسًا ، أم تزويرًا ، أم احتكارًا ، أم استغلالاً لحاجات الناس ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “المحتكر ملعون” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغليه عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ، فتلك أدواء قاتلة تدمر الأفراد والدول ، ومن الأدواء التي تفتك بالمجتمعات والدول تعصف بها داء الإهمال ، فقتل النفس إهمالًا كقتلها إرهابًا ، فكلاهما قتل يترتب عليه إزهاق الأنفس والأرواح ، وضياع مالٍ إهمالًا كضياعه إرهابًا ، فالمحصلة هي ضياع المال أو إهداره على كل حال ، ومن الأدواء التي تفتك بالأوطان أيضًا وتدمرها شيوع روح الأنانية والأثرة والبحث عن الثراء السريع ولو على حساب القيم والمبادئ وحميد الأخلاق وكريمها.

وإذا أردنا أن نقضي على هذه الأدواء القاتلة ، فإن الدواء يتلخص في عدة أمور من أهمها :

  • الرقابة الذاتية لتحريك المشاعر الإيمانية والوطنية معًا ، وإيمان المرء بوطنه ، وخوفه من ربه (عز وجل) ومراقبته له في السر والعلن ، وإيمانه بأن هناك رقيبًا لا تأخذه سنةٌ ولا نوم ، وأنه سيجازى بما قدم : ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” ، وأن ما عند الله خير وأبقى.
  • المتابعة والرقابة الإدارية مع العدالة الناجزة والحسم في تطبيق القانون ، وبلا استثناءات أو أدنى مجاملة أو محسوبية.
  • شيوع روح التكافل والتراحم ، وتحقيق مفهوم فروض الكفايات الذي يقضي بأن قضاء حوائج الناس من إطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض ، وتعبيد الطرق وتذليلها ، وبناء المدارس والمستشفيات وعماراتها مقدم ألف مرة ومرة على نوافل العبادات وبخاصة حج النافلة وتكرار العمرة ، فقضاء حوائج الناس وتخفيف آلامهم ومتاعبهم من أعلى القربات إلى الله عز وجل ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “َمنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فِي الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ الْقِيَامَةِ” ، بل إن هذا ليس مجرد فضل إنما هو واجب ديني وإنساني، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ أَقْوَامٍ نِعِمًا يُقِرُّهَا عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ فَإِذَا مَلَّوُهُمْ نَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهِمْ إِلَى غَيْرِهِمْ “.
  • إدراك أن فروض الكفاية تتطلب العمل على تخريج الطبيب المتميز ، والمهندس المتميز ، والعلماء المتخصصين بما يحقق كفاية الوطن في شتى المجالات العلمية والإنتاجية ، بحيث نصبح أمة منتجة ، أمة مصدرة ، أمة نافعة لنفسها وللإنسانية ، وليست عالة على غيرها ، لا في طعامها ، ولا في شرابها ، ولا في كسائها ، ولا في دوائها ، فعلاج مرضى المجتمع أمانة في أعناق أطبائه ، ومحو أمية المجتمع أمانة في أعناق مُعلِّميه ، وحفظ أمنه أمانة في أعناق جيشه وشرطته ، وعدل المجتمع أمانة في أعناق قضاته ، ففروض الكفايات تقوم على المسئولية التضامنية لأفراد المجتمع ، كل في مجاله وميدانه ، حيث يقول سبحانه وتعالى:”وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى