:أهم الأخبارمقالات

عواقب كفران النعم

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

لا شك أن الإنسان إذا أصابته شدة أو ضراء أو بأساء لم يجد ملجأ من الله إلا إليه ، في البر ، أو في البحر ، أو في الجو ، في السهل ، أو في الجبل ، على جنبه ،  أو قاعدًا ، أو قائمًا ، فإذا ما أنجاه الله (عز وجل) نكص على عقبيه ، وسرعان ما انتقل من الشكر إلى الجحود ، وربما البغي ، يقول الحق سبحانه : “قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ” ، ويقول سبحانه : ” وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” .

ويقول سبحانه : “هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ “.

وكل هذه النصوص تكشف عن طبيعة النفس البشرية وجوانب ضعفها إلا من رحم ربي وهداه إلى سواء السبيل ، فإذا أدرك الإنسان كل هذه الحقائق ووقف إزاءها متأملا مراجعًا نفسه ، مذكرًا إياها بلحظات الضعف ، وتعرجات الحياة وانعطافاتها وانثناءاتها ، وأيقن أنه في كل خطوة من خطوات الحياة في حاجة إلى مزيد من الرحمة واللطف لراجع نفسه ، ووقف طويلاً عند ما مر من مواقف حياته ، وأخذ من ما مضى معتبرًا لما هو آت ، فالسعيد من وعظ نفسه ، والشقي من وعظ بغيره .

وليس الشأن في كشف الضر فقط ، وإنما أيضا في باب شكر النعمة ، يقول الحق سبحانه : ” وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ  فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ” ، وفي الحديث الشريف أن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله (عز وجل) أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن ، قال : فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ، فقال : أي المال أحب إليك؟ قال : الإبل، فأعطي ناقة عشراء ، فقال : يبارك لك فيها ، وأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا ، قال : فمسحه فذهب عنه ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : أي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، قال فأعطاه بقرة حاملاً ، وقال : يبارك لك فيها ، وأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك ؟ قال : يرد الله إلي بصري ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم فأعطاه شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، فكان لهذا واد من إبل ، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من غنم ، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري ، فقال له : إن الحقوق كثيرة ، فقال له: كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : لقد ورثت لكابر عن كابر ، فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد على هذا ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رُضِيَ عنك ، وسُخِطَ على صاحبيك   .  

فما أحوجنا أن نتعلم من ذلك كله شكر النعم حتى لا تزول عنا بالجحود والكفران .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى