علماء الأمة وعلماء الفتنة
العلم الحقيقي هو الذي به تبنى الدول ، ويجعل من صاحبه قامة بناء لا هدم ، والعالم الحقيقي صمام أمان لدينه ووطنه وأمته ، والعلماء الحقيقيون هم من يكونون منارات هدى ، ومصابيح هداية ، و يقدمون ما ينفع البشرية في أمر دينها ودنياها .
والعالم الحقيقي هو من يستغرقه العلم ، وتحصنه الأخلاق ، فينهيانه عن المتاجرة بعلمه ، لذا فالعالم الحقيقي وكذلك المثقف الحقيقي لا يباع ولا يُشترى.
ومن ثمة تأتي خطورة العلماء المؤدلجين الذين وقعوا عن طمع أو غفلة في براثن الجماعات المتطرفة ، ذلك أن أكثر من وقعوا في شباك هذه الجماعات رغبًا أو انخداعًا لم يستطيعوا الفكاك من قيودها وأغلالها ، فخسروا أنفسهم وحريتهم ، وانساقوا في طريق اللاعودة ، واللارجعة ، ولو على حساب دينهم ووطنهم وكرامتهم وإنسانيتهم ، وأخذوا يوظفون أقلامهم وأقوالهم لترويج أفكار الجماعات الضالة التي ينتمون إليها ، فاستباحوا دماء الأبرياء ، وتخريب الأوطان ، وهدم العامر ، وحرق الأخضر واليابس ، بلا وازع من دين أو وطنية أو ضمير إنساني حي .
علماء الفتنة هم المكفرون ، ومن يفتون بغير علم ، ومن يقولون ما لا يفعلون ، حيث يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ “(الصف : 2-3) ، ومن يبيعون دينهم بثمن بخس ، حيث يقول الحق سبحانه : ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” (البقرة : 174) ، ويقول الحق سبحانه: “اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” (التوبة : 9) ، ومن يفترون على الله ورسوله الكذب ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ” (النحل : 116) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار “(رواه البخاري).
أما علماء الأمة فهم سندها ، وهم من يكونون في مقدمة الصفوف دفاعًا عن دينهم ووطنهم ، هم من يفهمون معنى الدولة ، ويعملون على استقرار أمنها الفكري ، بل أمنها العام ، يبينون للناس ما شرع الله لهم بفكر مستنير ، قادر على فهم الواقع وتحدياته ، وفك طلاسمه وشفراته ، ومعالجة قضاياه ومستجداته ، في ضوء الحفاظ على الثوابت والتفرقة بينها وبين المتغيرات ، مدركين أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال ، فما يكون راجحًا في عصر قد يكون مرجوحًا في وقت آخر ، وما يكون مرجوحًا تارة في وقت قد يكون راجحًا في وقت آخر بلا جمود ولا انغلاق ، وبلا إفراط أو تفريط.
هؤلاء هم العلماء الحقيقيون الذين يقول فيهم رب العزة (عز وجل) : ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”(المجادلة : 11) ، ويقول سبحانه : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ “(الزمر : 9) .