عام جديد من الأمل
في كل عام يحدونا الأمل , وسيظل , لأن الحياة بلا أمل حياة جافة , قاحلة , شاقة , شائكة , عابسة, كالحة , فلا حياة مع اليأس , ولا يأس مع الحياة.
الأمل شيء حلو , يملؤه ويعلوه التفاؤل , وترنو إليه النفوس المفعمة بالحياة , المحبة لها, المتفاعلة معها , التي لا تريد أن تركن إلى اليأس أو أن تخلد إليه أو أن تعلق عطبها عليه , ولله در القائل:
إنّ شــرّ النفوس في الأرض نفس |
تتمنى قبـــل الرّحيـــل ، الرّحيــلا |
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى |
أن تـــرى فوقهـــا النّـــدى إكليـلا |
والـــذي نفســـه بغيـــــر جمـــــــال |
لا يرى في الوجود شيئــا جميــلا |
فتمتّع بالصّبـح مــــا دمــــت فيـــه |
لا تخـــف أن يـــزول حتــى يزولا |
ويقول الآخر:
قــــال السمــــــاء كئيبـــــة ! وتجهمــــــا |
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما! |
قـــــال: الليالـــــي جرعتنـــــي علقمـــا |
قلت: ابتسم و لئـن جرعـــت العلقمـــا |
فلعـــــــل غيــــــــرك إن رآك مرنمـــــــــا |
تـــرك الكآبــــــــة جانبـــــــــا و ترنمــــــا |
ويقول الآخر:
أعلــِلُ الـــنفس بالآمـــــــــالِ أرقُبُهــا |
ما أضيقَ العيشَ لــــولا فسحةُ الأمَلِ |
الأمل دين , واليأس شؤم , وقد عد كثير من أهل العلم اليأس والتيئيس من الكبائر , وعن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : (صلى الله عليه وسلم) : “الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله ، من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة ” , ويقول الحق سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام) : ” قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” (الحجر : 56) , ويقول سبحانه على لسان سيدنا يعقوب (عليه السلام) : ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (يوسف : 87) , ويقول سبحانه : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (الزمر : 53) .
وما دام الأمر كله بيد من أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فعلينا ألا نيأس أبدًا , وأن نتعلق بحبل الله سبحانه والأمل في رحمته وفيضه علينا من فضله في الدنيا والآخرة , مستحضرين دائمًا قوله تعالى : ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (فاطر : 2) , وقوله سبحانه : ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” (الأعراف : 96) , وقوله سبحانه : ” وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ” (يس : 33-35) , وقوله سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق : 2-3) , وقوله سبحانه : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطلاق : 4) .
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا” (متفق عليه) , فإذا أراد الله (عز وجل) أمرًا هيأ له أسبابه , وأنفذه بأسباب وبلا أسباب : ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (يس : 82-83) .
فعلينا أن نحيا بالأمل , وأن نعيشه واقعا , وأن نبثه روحا تسري فينا , وفيمن حولنا , وما حولنا , على أن يكون هذا الأمل مصحوبًا بالعمل والجد والإتقان , لأن الأمل بلا عمل أمل أعرج لا طائل منه , ولا سبيل إلى تحقيقه , لأنه أمل الضعفاء والعاجزين ، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: “لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة”.