:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

طــلاقــة الوجـــه

  طلاقة الوجه سيم المؤمنين ، وسمت الصالحين ، ودليل على سعة الأفق والاستنارة في فهم الدين ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “لا يحقرن أحدكم عملا من الخير ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق” (رواه مسلم) , ويقول ( صلى الله عليه وسلم) : ” تبسمك في وجه أخيك لك صدقة” ) رواه الترمذي)  , وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دائم الْبِشْرِ ، سهل الخُلُق ، لَيِّنَ الجانب , وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ, وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طلْقٍ, وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ” , وقال أبو حاتم : “البَشَاشَة إدام العلماء ، وسجيَّة الحكماء ؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة ، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي ، ومن بَشَّ للنَّاس وجهًا ، لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك) , وقال ابن عيينة : ” البَشَاشَة مصيدة المودَّة ، والبِرُّ شيء هيِّن ، وجه طليق، وكلام ليِّن” , وقال الأحنف : “رأس المروءة : طلاقة الوجه ، والتودُّد إلى النَّاس” , وقد تغنى العرب في أشعارهم بطلاقة الوجه , وسماحة الخلق ، ويقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان :

تــراه إذا مـــــا جئـــت متهــــــللا

كأنك تعطيه الــذي أنت سائلـــه

 ويقول أبو الأسود الدؤلي :

وإذا طلبت إلى كريـــم حاجــة

فلقــــــــاؤه يكفيـــك والتسلـــيم

ويقول المتنبي :

تهــــلل قبل تسليمــــي عليــــه

وألـــقــى ماله قبــــل الوســــاد

  وفي الحديث أن النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ” (رواه مسلم).

  وإذا كان الأنبياء جميعًا قد بعثوا رحمة للعالمين , وكانت رسالة الأديان كلها رسالة  التسامح والتيسيير في أسمى معانيهما , وكان العلماء ورثة الأنبياء , فلا يمكن أن تكون رسالة العلماء هي العسر أو المشقة على الناس , ولا يمكن أن تكون وجوههم عابسة في وجوه خلق الله, وهذا مضرب المثل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يأتيه أحد الناس فقال يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ , قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ ,  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا ؟ قَالَ : لا , قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لا , فَقَالَ : فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لا , قَالَ : فَمَكَثَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)  فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ , وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ (وهو الزنبيل الكبير ) قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ : أَنَا  , قَالَ : خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ , فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ “.

  ألا نتعلم هذه الرحمة وهذه السماحة من نبي الرحمة والسماحة الذي بعثه ربه (عز وجل) رحمة للعالمين , فقال : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” , وقد قالوا : المؤمن سهل هين لين يألف ويؤلف ، والكافر فظ غليظ لا يألف ولا يؤلف , فالغلظة والقسوة من صفات أهل النار .

 على أن الوجوه الكالحة العابسة تُنفِّر من الإسلام ولا تدعو إليه , أما الوجوه السمحة الباسمة فهي مناط الأمل في الدعوة الحكيمة الراشدة , وهي التي تبشر ولا تنفر وتيسر ولا تعسر , وتقرب الناس إلى دين الله وتحببهم فيه , لا تبعدهم عنه ولا تنفرهم منه.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى