شفافية العمل الخيري
لا شك أن الشفافية إنما هي مطلب ديني شرعي ، ووطني ، وإنساني ، وإذا كانت الشفافية مطلوبة في كل شئ ، فهي أكثر تطلبًا في مجالات العمل الخيري القائم على العمل على مرضاة الله (عزّ وجلّ) وخدمة المجتمع ، سواء من حيث الإعلان عن الأرقام والمستفيدين وطرق الخدمة والأداء ، أم من حيث الإعلان عن أهداف المشروع الخيري دون أدنى توظيف لهذا العمل الخيري الإنساني لأغراض سياسية أو حزبية أو شخصية أو نفعية كما تفعل بعض الجماعات التي تسعى إلى توظيف كل شئ وأي شئ لخدمة أغراضها الخاصة والعمل على تجنيد بعض العناصر الجديدة لخدمة أهدافها وأفكارها ، مما أضر بصورة الدين واستقرار الوطن على حد سواء.
وقد رأيت من واقع متابعتي لتجربة صكوك الأضاحي أنها تجربة ثرية تستحق التقدير ، إذ إنها تعد أنموذجا هامًا لتعاون العديد من المؤسسات الوطنية في وزارات الأوقاف والتموين والتضامن والبنوك الوطنية واتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية وحتى بعض الصحف الخاصة التي أدركت أهمية الموضوع فدعمته وساندته إلى أن استوى تجربة حية ، ومع أنها التجربة الأولى التي تخوضها وزارة الأوقاف في هذا المجال فقد استطاعت في أسابيع وجيزة أن تجمع ما يزيد على 13 مليون جنيه ترجمت إلى التعاقد على ذبح 1300 رأس من البقر بما يزيد على 200 ألف كيلو من اللحم المشفى المذبوح في الوقت الشرعي للذبح تحقيقًا لشرط ونية المتبرع ، وهو ما جمع المال على أساسه ، وذلك تحت إشراف طبي وصحي متكامل ، ونقل مجمدًا إلى أماكن التوزيع بمعرفة شركة متخصصة ، ذلك كله دون أي مصروفات إدارية حيث جمع المبلغ كاملا بالبنك المركزي ومنه إلى الشركة المتعاقد معها ، في حين عمل جميع رجال الأوقاف متطوعين محتسبين ، في إطار البنية البشرية المتميزة لوزارة الأوقاف في جميع ربوع مصر ، حيث استطعنا أن نصل بلحوم الأضاحي إلى المناطق الأكثر فقرًا أو الأكثر احتياجًا وفق كشوف معدة بأسماء المستحقين الحقيقيين ، تعظيمًا لنفع الصدقة ولثوابها حين تقع موقعها الصحيح في يد المستحق في عزة وكرامة دون من ولا أذى ، إذ ينبغي أن يدرك كل متصدق أن من فضل الله (عزّ وجلّ) عليه أن جعله متصدقًا ، وأن جعله صاحب يد عليا ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ” ، وأن المتصدق المبتغي وجه الله (عزّ وجلّ) سيكون من السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ” ، ويقول الحق سبحانه : ” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” .
ونؤكد أن من ينفق من وقته وجهده لا يقل أجرًا ولا ثوابًا عمن ينفق من ماله ، فالعبرة بصدق النية مع الله (عزّ وجلّ) يقول الحق سبحانه : ” وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ” ، ويقول سبحانه : ” وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ” ، فالنفقة أعم وأوسع من أن تكون مالاً .
على ألا يصاحب أي شئ من ذلك أو يتبعه أو يخالطه منٌّ ولا أذى سواء من أنفق من المال أو الجهد ، ويقول الحق سبحانه : ” الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ” ، ويقول سبحانه : ” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ” ، على أننا حاولنا أن نقدم أنموذجا متكاملاً في الشفافية الكاملة في العمل الخيري من حيث الإعلان عن الأموال التي تم جمعها بالأرقام المحددة ، وعدد الرءوس التي تم ذبحها ، وعدد الكيلوات التي تم توزيعها ، وأماكن التوزيع ، مع وجود كشوف بأرقام البطاقات وتوقيع المستلم كما رآه كثير من الناس واقعًا في مناطق التوزيع ، بعيدًا عما كان يحدث من استخدام سياسي لتوزيع هذه اللحوم من جانب بعض المحسوبين على بعض التيارات الدينية في محاولات مستميتة من هذه الجماعات لكسب ولاءات سياسية أو تجنيد مزيد من العناصر في استخدام غير نبيل للعمل الخيري متجاهلين أو متناسين أن الفقر إنما يأخذ حقه من الغني والمجتمع وفي مال الله (عز وجل) ، وأن فروض الكفايات تقتضي سد جوعة كل جائع وستر عورة كل عار من غير منًّ ولا أذى ولا استخدام سياسي لهذا العطاء ، وكان الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول : “إن الله (عز وجل) قسم أقوات الفقراء في أموال الأغنياء فما جاع فقير إلا بشح غني فإن وجدت فقيرًا جائعًا فاعلم أن هناك غنيًا ظالمًا لم يخرج حق الله عليه” وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ ” .