:أهم الأخبارمقالات

شجاعة التجديد وشجاعة المواجهة

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

      مما لاشك فيه أننا في حاجة ملحة إلى شجاعة التجديد الحقيقى ، وإلى شجاعة المواجهة للمشكلات ، وإلى قراءة واعية للمستجدات ، وإلى معايشة الواقع ، وليس الهروب منه ، كما أن الواقع المحلّي لا يمكن أن يقرأ قراءة صحيحة  بمعزل عن المتغيرات الدولية والواقع العالمي ، وفي رؤية وطنية تقرأ الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني قراءة شاملة ، إذ لا يمكن أن يكون الجمود عند النص وإسقاطه بحرفيته وبمعطيات زمانه ومكانه وبيئته على زمن غير زمنه وبيئة غير بيئته وظرف غير ظرف الفتوى فيه ، وهو ما يعرف بفساد القياس ، كما أن عدم تحقيق المناط وعدم تنقيحه يهوي بالبعض إلى مزالق خطيرة ، وتلك الأمور كلها لا يمكن أن يعيها ويحسن إسقاطها على الواقع إلا أهل التخصص المتميزون ممن رزقهم الله رؤية وبصيرة وقدرة على الفهم والاجتهاد ، غير أن شعرة دقيقة أو خيطا دقيقا يفصل بين التجديد المنضبط والتبديد المنفلت ، فالأول يحقق المصلحة ، والآخر وراءه مفاسد لا تحصى ولا تعد ، إذ لا يمكن أن ننجح إلا بصدق مع الله ( عز وجل ) ، وصدق مع الناس ، وصدق مع النفس ، وإعلاء للمصلحة العامة على كل المصالح الخاصة أو الشخصية أو اللهث خلف جنون الشهرة بالبحث عن كل شاذ وغريب ومحاولة تسويقه.

     ومما لاشك فيه أن هناك أناساً ورجالاً زادهم الله بسطة في العلم والوعي والفهم والتمكن ، ورزقهم رؤية سديدة ونظرة ثاقبة ، ثم من عليهم بتهيئة سبل صقلها وتنميتها بالمعارف المكتسبة ، والمعايشة لواقع الناس ، وحسن تقدير الأمور ، وهؤلاء هم المرجع الحقيقي ، وعلى آرائهم الثاقبة يلتف طلاب العلم النابهون ، حتى لو كان هؤلاء العلماء الكبار بعيدين عن أضواء الإعلام  وتجاذباته.

      وفي المقابل هناك آخرون مصابون بالإفلاس العلمي لا هم في العير ولا في النفير في مجال التخصص العلمي الحقيقي الدقيق ، لكنهم إما أنهم يملكون صوتا جهوريا عاليا، أو أنهم يبحثون عما يطلبه المستمعون ، أو أنهم يحققون لونا من الإثارة الإعلامية التي تبحث عنها بعض الجهات كوسيلة تسويقية ، بل إن الأمر قد يذهب أبعد من هذا بتبني بعض الجهات الداخلية أو الخارجية لهذه الأصوات النشاز ، لأنها يمكن أن تحقق جزءا من أهدافهم بإحداث الفوضى الفكرية في إطار الفوضى غير الخلاقة التي يسعى أعداء الأمة إلى إحداثها في منطقتنا .

     وفي زمن اختلطت فيه كثير من الأمور حابلها بنابلها – كما يقولون- نرى أن القضايا الحيوية للفكر بصفة عامة والفكر الإسلامي بصفة خاصة ينبغي أن تدرس دراسة واعية في مجامعها ومنتدياتها وجهاتها المختصة ، لتخرج رحيقا صافيا فيه شفاء لما في الصدور، وعلاج حقيقي للأدواء ، وحل للمشكلات .

     ومن هنا كانت دعوة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، إلى ضرورة الاجتهاد الجماعي في القضايا الهامة ، كما ذكر فضيلة الإمام الأكبر في كلمته الرائعة التي ألقاها في افتتاح مؤتمر الأوقاف الذي عقد بمدينة الأقصر تحت عنوان ” رؤية الأئمة والدعاة في تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف ” ، حيث أكد فضيلته على أهمية الاجتهاد الجماعي الذي يدعى إليه كبار  علماء المسلمين، ممن يحملون هموم الأمة ومشكلاتها ، ولم يغرهم بريق الدنيا وأطماع السياسة والجاه والمال ، لينظروا – غير هيابين ولا وجلين – في القضايا المشكلة والعالقة ، ما كان منها متعلقًا بقضايا الإرهاب والتكفير والهجرة وتحديد مفهوم دار الإسلام ، ودار الحرب ، وقضايا المرأة ، وتحديد أوائل الشهور العربية بالحساب الفلكي ، ومسائل الحج وبخاصة : الإحرام من جدة للقادم جوًا أو بحرًا ، وكذلك رمي الجمرات في سائر الأوقات ، وأيضا : استنهاض الأمة لاستصدار فتاوى توجب العمل وتُحرم التقاعس والكسل ، شريطة ألا يفتى في القضايا الدقيقة بفتاوى مجملة ، ونصوص عامة لا تنزل إلى الأرض ولا تحسم القضية ولا تغير الواقع .

  ذلك لكي نقطع الطريق أمام غير المؤهلين وغير المتخصصين ، والمزايدين والمتاجرين بالدين ، واللاهثين خلف الشهرة أو حب الظهور .

    على أن المواجهة التي نبحث عنها لدعاة الفكر المتطرف لا ينبغى أن تقف عند المواجهة الفكرية أو بيان الرأى الشرعي ، وإن كان هذا هو الدور الأهم , وهو واجب الوقت بالنسبة لجميع المؤسسات الدينية والعلماء المتخصصين ، إذ ينبغى أن يتوازى مع ذلك التصدي بكل الوسائل لدعاة الفكر المتطرف سواء أكان هذا التطرف تشددًا وجنوحًا نحو الإرهاب , أم تسيبًا ودعوة إلى الانحلال أو إلى الفوضى ، كما ينبغي تطهير جميع المؤسسات الفكرية والثقافية والتربوية والتعليمية والدينية ، وكل ما يتصل ببناء العقل المصري أو العربي من داعمى الفكر المتطرف وإبعادهم عن مواقع اتخاذ القرار ، لأن داء التطرف لا يختلف عن داء الإدمان فى الاعتمال والتأثير فى نفس صاحبه ، فمها نزع منه نزع إليه , كما يجب التصدي وبكل قوة وحسم إلى دعاة الفوضى والتخريب , وهو ما تتناوله خطبة الجمعة اليوم بإذن الله تعالى .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى