:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

سياجات حفظ الـنفس

  حماية النفس أحد أهم الكليات والمقاصد التي حرص الشرع عليها وأولاها عناية خاصة ، فعلى الرغم من اختلاف العلماء من الأصوليين والفقهاء في عدد الكليات وفي ترتيبها فإنهم يجمعون على أن حماية النفس أحد هذه الكليات ، بما يعني إجماعهم على حرمة النفس ، حيث يقول الحق سبحانه : “ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” (المائدة : 32) ، ويقول سبحانه : “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” (النساء : 29) ، ويقول سبحانه : “ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ  وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا  يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًاإِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الفرقان : 68-70) ، ويقول سبحانه : ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ” (النساء : 93) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” اجتنبوا السبع الموبقات”، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:  “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات “) رواه البخاري)  ، ويقول (عليه الصلاة والسلام) : ” لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا “( رواه البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّار” (رواه الترمذي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله تبارك وتعالى من دم امرئ مسلم يسفك بغير حق : أو قال: يقتل بغير حق” (رواه الترمذي).

  هذا وقد تعهد الإسلام النفس بالحماية والرعاية منذ الطفولة فنعى على أهل الجاهلية وأدهم للبنات خشية الفقر أو العار ، وأنكر عليهم ذلك  نكيرًا شديدًا حيث يقول الحق سبحانه : “ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِه أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ  أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ” (النحل : 58-59) ، وعن عبدالله بن مسعودٍ: أن رجلاً قال : يا رسول الله ، أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : “أن تدعو لله ندًّا وهو خلَقك” ، قال : ثم أي ؟ قال : “أن تقتل ولدَك مخافة أن يطعَمَ معك” ، قال : ثم أي ؟ قال : “أن تزانيَ حليلة جارك ” (متفق عليه) , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة “(رواه أبو داود).

  ولم يقف أمر الإسلام في الحفاظ على النفس عند هذا الحد بل تعداه إلى النهي عن مجرد ترويع الآمنين أو إخافتهم ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ” (صحيح مسلم).

  وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) قد حدثنا عن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فما بالكم بمن يقتل البشر ويحرق ويسفك الدماء ؟!

  ومن ثم َّ يتضح أن الإسلام دين رحمة وسماحة ، لا دين قتل وإرهاب ، يقول الحق سبحانه :  “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران: 159) .

  وهي ليست رحمة خاصة بجنس أو نوع أو زمان ؛ بل هي رحمة عامة لجميع المخلوقات ، قال تعالى : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” (الأنبياء: 107).

  مع أن الإسلام لم يترك أمر النفس الإنسانية لمجرد التراحم إنما حصنها بحد القصاص ، فقال سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ  ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (البقرة : 178-179) .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى