سياجات حفظ الـعرض
العرض مسألة إنسانية تحدث عنها العرب في جاهليتهم وبعد إسلامهم بما يتسق مع فطرتهم السليمة فهذا السموءل بن عادياء يقول :
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَـــــــــكـــــُلُّ رِداءٍ يَرتَـــــديهِ جَمــــيلُ
تُعَيِّــــــرُنا أَنّا قَليـــــــلٌ عَـــــــــــــــديدُنا
فَقُــــــــــــــلتُ لَهـــــــا إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَمــــــــــــا ضَرَّنا أَنّا قَليــــــــــــلٌ وَجارُنا
عَـــــــــــزيزٌ وَجــــــــــــارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
ويقول عنترة العبسي :
لا تسقنـــي مـــــــاءَ الحياة ِ بذلة
بل فاسقني بالعزَّ كأس الحنظل
ويقول الشنفرى:
وأستف ترب الأرض كي لا يرى به
علي من الطـــــول امرؤ متطــــــول
ويقول البارودي:
خُلِقْتُ عَيُوفاً لا أَرَى لابْنِ حُرَّةٍ
لَدَيَّ يَدًا أُغْضِي لها حِينَ يَغْضَبُ
ويقول الشافعي :
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ
فلا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
حيــــاءَك فاحفظْه عليك فإنَّما
يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ
ولحفظ العرض حرم الله تعالى الزنا ، ونهى عن مجرد القرب منه ، فقال تعالى :”وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً “(الإسراء:32) ، وأمر بغض البصر فقال سبحانه : “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ” (النور : 30).
وشرع حد القذف لحفظ الأعراض فقال سبحانه : ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور : 4) ،
وعد نبينا (صلى الله عليه وسلم) قذف المحصنات من الكبائر فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ” ، قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال : (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِناتِ الْغافِلاتِ”.
وقد حرم الإسلام الاعتداء على الأعراض عامها وخاصها ، أو النيل منها بأي وجه من الوجوه فأولاها عنايةً خاصةً ، وأوجب صيانتَها والمحافظةَ عليها .
ونهانا ديننا الحنيف عن الغمز واللمز والسباب والفسوق والسخرية ، يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات : 11) .
وقد عد أهل العلم والفقه حماية العرض من الكليات التي ينبغي الحفاظ عليها يقول القرافي هي : الدين، والنفس ، والعقل ، والمال والعرض ، ويقول الزركشي : هي : الدين ، فالنفس، فالعقل ، فالنسب ، فالمال ، والعرض ، ويقول الرازي هي : حفظ النفوس والعقول والأعراض والأنساب والأموال .
والعرض له معنيان خاص وهو ما ينال الإنسان في شرفه وشرف أهله من زوجة وبنت وأم وبنت أخت وعمة وخالة وسائر المحارم ، وعام هو أوسع من ذلك وأعم وهو كل ما يمس الإنسان في كرامته ، في إنسانيته ، في مروءته في سائر تصرفاته ، وهذا سيدنا حسان بن ثابت (رضي الله عنه) يقول في رده على أبي سفيان بن الحارث :
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
أتهـــجوه ولست لـــــه بكفءٍ فشركـما لخيركما الفداءُ
هجـــوتَ مباركـًـــا بـــــراً حنيفا أمين الله شيمته الوفاءُ
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه و ينصره سواءُ؟
فــإنَّ أبي و والــــده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
لســـــــاني صارمٌ لا عيب فيه وبحري لا تُكدِّره الدلاءُ
فعلى العاقل أن يحفظ عرضه خاصًا وعامًا ، حيث إن الإنسان ما هو إلا عرض ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحِ ، فاصنع ما شئت ” (رواه البخاري) .
ومن صور الحفاظ على الأعراض حثُّ الإسلام على عفة الفرج والبطن فأما عفة الفرج ، فهو مما تزكو به النفوس، وتسلم به المجتمعات ، ويحفظ به الأمن، وتصان به الأعراض ، وقد أمر الله (عز وجل) المؤمنين والمؤمنات بحفظ فروجهم وأبصارهم فقال سبحانه:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (رضي الله عنه) عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ : (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) .
وأما عفّة البطن ، فيقصد بها تحري الحلال في كل ما يدخل البطن من طعام أو شراب أو غير ذلك، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَاتَ يَوْمٍ : (اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ) قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : (لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى وَلْيَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) حَقَّ الْحَيَاءِ) .