سياجات حفظ العــقل
تحدث القرآن الكريم عن العقل بما ينبئ عن مكانته وأهميته ، ودعانا إلى التفكر والتأمل وحسن استخدام العقل فقال سبحانه : “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”.
وقد تحدث القرآن الكريم كذلك عن التدبر والتفكر واستخدام العقل في كثير من المواضع ، حيث يقول سبحانه : “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” ، ويقول (عز وجل) : “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ” ، ويقول تبارك في علاه : “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ” ، ولما نزلت هذه الآية قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها” .
وقـد ميز الله (عز وجل) الإنسان عن سائر الخلق بالعقل والفكر والتأمل والتدبر والتمييز ، ونعى على من أهملوا هذه النعم ولم يوفوها حقها ، فقال سبحانه” : أَفَلَا يَعْقِلُونَ” ، وقال تعالى:” أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ”، ويقول (عز وجل) “وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” ، ويقول سبحانه : “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى”.
وقد أحاط الإسلام العقل بسياجات حفظ متعددة ، فحرم كل ما يضر بالعقل أو يغيبه عن الوعي والإدراك ، حيث يقول سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” .
يقول الحسن البصري( رحمه الله) : لو كان العقل يشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده.
فعقل كل فرد من أفراد المجتمع ليس حقًّا خالصًا له يتصرف فيه كيف يشاء ، إنما هو نعمة من نعم الله التي يجب الحفاظ عليها والعناية بها , كما أن للمجتمع حقًّا فيه أيضًا باعتبار أن كل شخص لبنة من لبنات المجتمع ، وأن مصالح الأمة لا تستقيم إلا إذا كانت عقول أبنائها سليمة من الآفات ؛ قادرة على التفكير السليم والتخطيط الدقيق لكل ما من شأنه أن يعود بالخير والسعادة على الفرد والمجتمع ، فعدوان الشخص على عقله بتدميره عن طريق تعاطي المخدرات التي تفسده وتعطله عن التفكير السوي ، وتنحرف به إلى المهالك إنما يضر بالمجتمع الذي يعيش فيه ؛ نظرًا لأن هذا السلوك المنحرف من شأنه أن يفقد المجتمع عضوًا كان من المفروض أن يكون عضوًا صالحًا وعقلًا مفكرًا يساعد في بناء مجتمعه وتقدمه ، كما أن فقدان العقل قد يتجاوز الضرر الفردي إلى ضرر المجتمع جراء سوء تصرف من يفقد عقله ، فتقع الجريمة , ويقل الأمن والأمان ، ويكثر الفساد والإفساد ، وتغيب المودة والمحبة بين الناس، وتؤدي إلى نشر العداوة والبغضاء ، وهي أمور مذمومة جاءت الشريعة الإسلامية بمحاربتها ومنعها ، مؤكدة أن الخمر أحد سبل إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس ، فقال تعالى : ” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” .
ومن هنا فإن اهتمام الشرع الحنيف بنعمة العقل يتطلب من المسلم أن يحافظ عليه وأن لا يتناول من الأشياء ما يفسده أو يعطل وظيفته أو يضره ويؤذيه ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : “لا ضرر ولا ضرار”.
وقد كان النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إذا بايع أصحابه (رضوان الله عليهم) قال: (أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَشْرَبُوا مسكرًا ” , فقوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “وَلَا تَشْرَبُوا مسكرًا” بصيغة العموم يشمل جميع المسكرات ، دون النظر إلى مسمياتها .
ويلحق بالخمر في حرمتها كل ما يغيب العقل بأي طريقة كانت : شرباً أو شَمَّا أو حقنًّا ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ( رضي الله عنها ) قَالَتْ : “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ” .
وكما دعانا الإسلام إلى حماية العقل من المخدرات ، دعانا إلى حمايته من الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة ، وأمرنا أن نتثبت ونتحقق فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” ، وقال سبحانه : ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع” .