:أهم الأخبارمقالات

سوء الظن وسوء العاقبة

mokhtar-Gomaa copy

ابتلينا في زماننا هذا بأناس لا يعرفون إلى حسن الظن سبيلا , يرون أن الإتقان منعدم في جميع الخلق سواهم , وكذلك الإخلاص , والتفاني , وسائر الصفات الكريمة , وكأن الله (عز وجل) لم يخلق هذه الصفات إلا لهم , ولم يخلقهم إلا لها .

وقد يزداد الأمر سوءًا مع تقدم سن هؤلاء الأشخاص فلا يكادون يعطون لأحد فرصة , خوفًا من إزاحة هذا الوافد الجديد لهم عن مواقعهم بل مكاسبهم , وكأن مقادير وترتيب شئونهم قد صارت – حاشا لله- بأيديهم , وقد ينسى بعضهم أو يتناسى أن الأمر كله لله وحده دون سواه , وأنه سبحانه وإن سبب الأسباب وسخر الخلق فهو القائل في كتابه العزيز : ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” , ويقول سبحانه : “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” .

ومع إيماننا بأن المؤمن يجب أن يكون كيِّسا فطنًا لا يخدع ولا يُخدع , فإننا يجب أن نقف مليًا عند قوله تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” , كما يجب أن نلتمس للناس الأعذار , حيث يقول الحبيب (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَإِنْ أَصَبْتَهُ وَإِلا قُلْ : لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لا أَعْرِفُهُ “, فخير الناس أعذرهم للناس , وخير القلوب قلب يبيت وليس فيه ذرة حقد لأحد أو على أحد , فقد روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) في قصة الرجل الذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام متتابعة , لا لشيء إلا أنه كان يبيت سليم الصدر ولا يجد في نفسه لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا يحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه.

على أن النفوس نفسان , وكل إناء بما فيه ينضح , نفس طاهرة صافية نقية لا تكاد ترى سوى الخير والنور والنصف الممتلئ من الإناء , وأخرى سوداء قاحلة قاتمة لا تكاد ترى الخير أبدًا فهي لا ترى إلا الظلام والقتام والنصف الفارغ من الإناء , فهي نفوس مفعمة بالسواد والتوجس وسوء الظن ، واتهام الآخرين, وجعلهم دائمًا في مرمى سهامها , ظنا أنها تحصن بذلك مواقعها ومكاسبها , متناسية أو متغافلة أو متجاهلة أن أحدًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا , وأن النفع والضرر بيد الله وحده , حيث يقول سبحانه : “قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ” , ويقول سبحانه : ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.

ولا شك أن سوء الظن وسوء العاقبة وسوء الخاتمة أمور تكاد تكون متلازمة , فحسن الظن وسلامة الصدر تورثان حسن الخاتمة , وسوء الظن وقتامة النفس وضيق الصدر والخلق إنما هي أمور تؤدي إلى سوء العاقبة وسوء الخاتمة , والأعمال بخواتيمها , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إذا أحب الله عبدًا استعمله , قالوا : وما استعمله يا رسول الله ؟ , قال (صلى الله عليه وسلم) : يوفقه إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه” , وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ , فتقول السيد عائشة (رضي الله عنها) , يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ” .

وقد تحدث القرآن الكريم كثيرًا عن حسن العاقبة وسوء العاقبة , فقال سبحانه : ” مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ” , ويقول سبحانه : “فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ” .

ويقولون من قبض على شيء بعث عليه , وإذا كان الإنسان لا يدري حتى يأتيه أجله فعليه أن يكون دائمًا على الخير مجافيًّا للشر حتى يسلم ولا يندم  ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ ، أَوْ ذِرَاعٍ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ ، أَوْ ذِرَاعَيْنِ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا “(صحيح البخاري), ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى