Uncategorized

زمن العلماء الكبار

يقول المتنبي :

إذا كـــــــــانت النفــــوس كبــــــارًا

تعبـــــت في مرادهــــــا الأجسام

ويقول :

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِم

وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها

وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

ويقول أبو فراس الحمداني :

وَنَــحْنُ أُنَــــــاسٌ، لا تَوَسُّـــــطَ عِنْدَنـــــَا

لَنَــــــــا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ

تَهُــــــونُ عَلَيْنَـــــــا في المَعَالي نُفُوسُنَا،

ومنْ خـــــطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ

ويقول الشافعي : (رحمه الله)

أأبيــــت سهران الدجى و تبيتـه

نومـــــــا و تبغي بـعد ذاك لحاقي

ويقول (رحمه الله):

سَأَضْرِبُ في طُولِ الْبِلاَدِ وَعَرْضِهَا

أنـــــــــــال مرادي أو أموت غريبًا

ويقول أبو القاسم الشابي :

وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ

يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـر

    وقد عرف تاريخنًا العلمي عددًا من العلماء الذين رحلوا في طلب العلم واجتهدوا في تحصيله حتى تبوؤا مكان الصدارة ، وصاروا أعلامًا في الفنون والعلوم التي تصدروا فيها ، ورأينا مؤلفين عرفوا بمؤلفاتهم في مجال الفقه وأصوله ، ومؤلفات كتب لها القبول ، على شاكلة كتابي : الرسالة والأم للإمام الشافعي المتوفى 204هـ-820م اللذين  يفرضان نفسيهما في مجال الفقه وأصوله ، وعلى شاكلة فتح الباري لابن حجر الذي يفرض نفسه على شروح البخاري حتى قيل لا هجرة بعد الفتح ، ونرى كتابي الإتقان في علوم القرآن للسيوطي المتوفى 911هـ – 1505م  ومناهل العرفان للزرقاني المتوفى 1122هـ – 1710م يفرضان نفسيهما في مجال علوم القرآن ، ناهيك عن موافقات الشاطبي المتوفى790هـ- 1388م ، وتاريخ ابن خلدون المتوفى 808 هـ – 1406م ومقدمته ، وتاريخ كل من: الطبري المتوفى 310هـ – 923م , وابن الأثير المتوفى 630هـ – 1233م , وابن عساكر المتوفى 1176م ، وتاريخ بغداد ، وسير أعلام النبلاء للذهبي المتوفى 748 هـ – 1348م وحلية الأولياء لأبي نعيم المتوفى 219هـ  ، وغير ذلك من المصادر والكتب التي صارت ملء السمع والبصر ولا يمكن تجاوز أي منها في بابه وفنه .

    وفي المجالات العلمية عرف تاريخنا العلمي علماء عظماء من أمثال : ابن النفيس المتوفى 687هـ – 1288م ، وابن سينا المتوفى 427هـ – 1037م ، وابن الهيثم المتوفى 430هـ-1040م ، وأبو بكر الرازي المتوفى 311هـ – 923م ، وابن البيطار المتوفى 646هـ – 1248م وغيرهم .

    وفي المجالات الفلسفية والفكرية عرف تاريخنا علماء ومفكرين كبار أمثال : الفارابي المتوفى 339هـ -950م ، والكندي المتوفي 256 هـ-873م ، وابن رشد المتوفى 595 هـ -1198م ، وابن حزم المتوفى 456 هـ – 1064م ، وأبو حامد الغزالي المتوفى 505 هـ – 1111م ، وفخر الدين الرازي المتوفى 606هــ – 1209م وغيرهم .

     ثم فترت الهمم بعض الشيئ إلا ما رحم ربي ، فضعفت قوة الدأب ، وصار الناس إلى العجلة في معظم الأمور ، وغابت الدقة والأناة , والتريث والصبر على عملية البحث والدرس والتنقيب ، وصار أكثر الناس إلى مجالات التحقيق والشروح والحواشي التي لا تقارن بما أبدعه وأنتجه العلماء الكبار في مجال التأليف على الرغم من صعوبات النشر آنذاك ، حتى صار أكثر المحدثين عالة على المتقدمين ، وخفتت روح الإبداع والابتكار في كثير من المجالات المتصلة بالتراث أو حتى بالمعاصرة ، فكان ما كان من نصيب أمتنا في مجالي التعليم والبحث العلمي ، ولم نعد أبدًا في رفاهية من الوقت ، بل صارت عملية البحث والإبداع والابتكار واجب الوقت, لعلنا نلحق بالركب أو ندرك بعض ما فاتنا من طريق المسير على أقل تقدير , إن لم يكن لدينا طموح الإبداع والسبق ، فهل نعود إلى زمن الكبار ، ويكون شعارنا فيه :

نَبْنِـــي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا

تَبْنِـــي وَنَفْعَلُ مِثْلَمَا فَعَلُوا

 

وعلى حد قول الآخر :

ليس الفتى من يقول كان أبي

ولكــن الفتى من قال ها أنا ذا

   وقد قالوا : إن تقصير الولد الخامل عن رتبة الوالد النابه ذم له ، إنما يمتدح بالبناء على ما كان والإضافة إليه ، وليس الاتكال عليه ، وهذا عامر بن الطفيل يقول :

إني وإنْ كنتُ ابــــنَ سَيّــــــدِ عَامِرٍ

وفارِسَهَا المَنْدوبَ في كلّ مَوكِبِ

فمــــا سودتني عامــــــــر عن وراثة

أبــــــى الله أن أسمـــــو بأم ولا أب

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى