:أهم الأخبارمقالات

رمضان شهر التسامح

mokhtar-Gomaa copy2

لا شك أن ديننا هو دين الرحمة , دين التسامح , دين العفو , دين الصفح , دين الحلم , دين مكارم الأخلاق , وقد علّمنا القرآن الكريم ودعانا إلى أن نصفح الصفح الجميل , فقال سبحانه مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” (الحجر : 85) , وهو الصفح الذي لا منّ ولا عتاب ولا تأنيب معه .

ويقول (عز وجل) : ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ” (الأعراف : 199) , ويقول سبحانه : ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا” (الفرقان : 63 , 64) , ويقول سبحانه : ” وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (النور : 22) , وفي الحديث النبوي الشريف : ” يَنْزِلُ رَبُّنَا (عز وجل) إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فينادي هل من مستغفر فأغفر له , هل من تائب فأتوب عليه , فَيَغْفِرُ لأَهْلِ الأَرْضِ إِلا مُشْرِكًا أَوْ مُشَاحِنًا” .

وقد كان من عاداتنا وأعرافنا الجميلة أنه إذا جاء رمضان تصالح المتخاصمون , وتزاور الناس وتواصلوا , وأدركوا بل أيقنوا أنه لا مجال للخصام أو الشقاق في هذا الشهر الكريم , وإذا كان نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ ، فَيُعْرِضُ هَذَا ، وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ” , فإن الناس يدركون أن صيامهم لا يمكن أن يكون تامًا كاملاً مع وجود الشحناء أو البغضاء فيما بينهم , ومن ثمة كانوا بفطرتهم يحرصون كل الحرص على إنهاء أي خصومات أو شحناء قبل رمضان , وقبل السفر إلى الحج , ويعدون ذلك من لوازم القبول , ولم يكن الأمر يقف عند هذا الحد , إنما كان يتجاوزه إلى التزاور والتزاور المتبادل في ساحات كرم ومآدب إفطار وسحور هذا الشهر في أجواء عائلية وإنسانية , لا تهدف إلا إلى تعميق أواصر الرحمة والمودة بين الأهل والجيران والأصدقاء في أريحية مصرية تستحق التشجيع والتقدير .

رمضان شهر اتساع الأخلاق والنفوس لا ضيقها , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إني امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لقي رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ” (متفق عليه) , أي فليتحصن بصيامه وليحافظ عليه ، وألا ينساق إلى ما يتعرض له من استفزاز ، فالصائم الحق هو الذي يملك نفسه عند الغضب ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) ” ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ” (رواه البخاري) , فما نراه من تصرفات عنف شاذة إنما هو غريب على ديننا وثقافتنا وهويتنا الحضارية ، ويزداد الأمر استنكارًا إذا وقع هذا العنف في هذا الشهر الفضيل ، ويكون الاستنكار أشد حدة إذا كان من إنسان محسوب شكلا على الصائمين والقائمين ، إذ لا ينبغي أن نفهم الصيام أو نقصره على مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ، إنما هو تهذيب للطباع ، وترقيق للمشاعر ، وتقويم للسلوك المعرفي ، وتدريب على قوة التحمل ، وصولا إلى تحقيق أعلى الأهداف ، وهو تحقيق التقوى والمراقبة التامين ، حيث يقول سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (البقرة : 183) .

وعلى الجملة فقد دعا الإسلام إلى السماحة ، واليسر  ، والتيسير ، والرحمة ، والرفق ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى ” (رواه الترمذي) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ بِسَمَاحَتِهِ قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا ” (مسند أحمد) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ” (رواه مسلم) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) ” اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ” (رواه مسلم) “.

فما أحوجنا في هذا الشهر الكريم إلى مراجعة النفس ، إلى التسامح والتصالح مع أنفسنا ، مع أهلينا ، مع أزواجنا ، مع أبنائنا ، مع أشقائنا وشقيقاتنا ، مع أعمامنا وعماتنا ، وبني أعمامنا ، وبني عماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وبني أخوالنا , وبني خالاتنا ، وجيراننا , وأصدقائنا ، وزملائنا , وسائر المتعاملين معنا , لنفوز ونسعد في عاجلنا وآجلنا بإذن الله تعالى.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى