رسالة العلماء
رسالة العلماء عظيمة عظم الأمانة التي يحملونها , وهي أمانة العلم , وأمانة الدعوة , وأمانة التبليغ , أما من حيث الأمانة في التبليغ فيقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه , ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ : إخلاصُ العملِ للهِ , ومناصحةُ أئمةِ المسلمينَ , ولزومُ جماعتِهم فإنَّ الدعوةَ تحيطُ من ورائِهم” (صحيح الترمذي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “بلِّغوا عني ولو آية ، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرَج ، ومَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار ” (رواه البخاري).
وأما من حيث إخلاص النية لله (عز وجل) في أداء الرسالة فيقول الحق سبحانه : “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (البقرة : 282) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ” (سنن الترمذي) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ” (سنن ابن ماجه) , ويقولون : من تعلم العلم ثم عمل بما تعلمه ثم علم الناس فذلك يدعى عظيما في الملكوت والسماوات .
وإذا كان العلماء ورثة الأنبياء فعليهم أن يدركوا طبيعة المهمة التي اصطفاهم الله (عز وجل) لها , وأنها ليست مهمة تكسب بالعلم أو بالدعوة , حيث يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم): ” قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (سبأ : 47) , ويقول سبحانه على لسانه (صلى الله عليه وسلم) : ” قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا” (الفرقان :75) ويقول سبحانه على لسان أنبيائه : نوح , وهود , وصالح , ولوط , وشعيب (عليهم السلام) : ” وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180) بصيغة واحدة تؤكد وحدة الهدف والمنهج وصدق النية مع الله (عز وجل) وتمام الإخلاص له سبحانه لدى رسل الله أجمعين.
إضافة إلى أن العالم الحقيقي لا يُمَنِّي الناس ولا يعدهم بشيء من عرض الحياة الدنيا إنما يعدهم رحمة من الله وفضلا , حيث يقول الحق سبحانه : ” الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة : 268) , ويقول على لسان سيدنا نوح (عليه السلام) : “وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ” (هود : 31) , فالرسالات السماوية رسالات سامية لا يمكن لأهلها أن يكونوا تجار دنيا ، أو متاجرين بدين الله (عز وجل) على نحو ما يفعل المتاجرون بالدين والمتكسبون به أفرادًا أو جماعات مارقة.