خاطرة دعوية: الشرع والقانون وحماية الكليات
مصالح البلاد والعباد غاية شرعية ودستورية ، فحيث تكون مصالح البلاد والعباد المعتبرة فثمة شرع الله (عز وجل) ، وتلك غايات القانون الدستوري .
فقد فصلت الشرائع السماوية الأمور التعبدية التي تتصل بالعلاقة بين العبد وخالقه ، وأجملت الأسس العامة لإدارة شئون الحياة ، وأقامتها على حفظ الكليات الست : الدين ، والوطن ، والنفس ، والمال ، والعقل ، والعرض متضمنًا النسب والنسل ، فكل ما يحقق الحفاظ على هذه المقاصد هو من صميم المقاصد الشرعية ، وهو أيضًا غاية من أهم غايات القانون الدستوري ، الذي يعمل على التوازن بين المصالح الخاصة والعامة ، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة ، والمتعدي النفع على قاصر النفع أو محدوده ، مع النظر إلى فقه المآلات ، والمستجدات ، والموازنات بين المصالح والمفاسد ، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، غير أن المفسدة اليسيرة المحتملة لا تدفع بتضييع المصلحة العظيمة المعتبرة ، وهو ما عليه ضوابط الشرع والقواعد الفقهية والأصولية العامة .
فمصالح الأوطان وحمايتها من صميم مقاصد الأديان ، وأنه لا يوجد وطني شريف على وجه البسيطة لا يكون على استعداد لأن يفتدي وطنه بنفسه وماله ، وهو ما دعانا إلى التأكيد على كون الحفاظ على الوطن من المقاصد والكليات العامة التي يجب حمايتها ، فبلا وطن آمن مستقر لا بقاء لنفس ، ولا مال ، ولا عرض ، ولا عقل .
كما أن الدين لا ينشأ في الهواء الطلق ، إذ لا بد له من وطن يحمله ويحميه، وقد قالوا : رجل فقير ضعيف في دولة قوية غنية خير من رجل غني قوي في دولة ضعيفة فقيرة هزيلة ، لأن الأول له دولة تحمله وتحميه ، والآخر لا سند له لا في الداخل ولا في الخارج .
وإذا كان الدين قد أحاط هذه الكليات بسياجات متعددة من الصيانة والحماية ، بحيث تحفظ للإنسانية حرمتها وكرامتها ، وتضبط مسارات حركتها بضوابط محكمة لا تمييز فيها ولا إقصاء، فإن دور القانون الدستوري هو توفير الأطر القانونية اللازمة لهذه الحماية .