حق الجوار
الجار له حق حتى فى اللغة ، فعلماء النحو والصرف يذكرون أن أنواع الجر أربعة ، هي : الجر بالحرف ، والجر بالإضافة ، والجر بالتبعية ، والجر على الجوار ، ويمثلون له بقولهم : هذا جحر ضب خرب ، بجر كلمة خرب على الجوار ، ذلك أن الخراب للجحر لا للضب ، وله أمثلة أخرى كثيرة حتى أفرد بعضهم بحثا أو بحوثًا للجر على الجوار ، وعلى الجملة فأنواع الجر الأربعة فيها جوار ما .
والجوار متسع كبير للجار : فى المنزل ، والجار فى العمل ، والجار فى الدول ، والصاحب بالجنب وهو الجار فى السفر ، يقول الحق سبحانه : ” وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا “.
وفي حق الجار وشأنه يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ” (صحيح البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ , وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ”, قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ” ، أي الذي لا يأمن جاره شره .
وعندما جاء بعض الناس إلى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكروا له أن فلانة صوّامة قوّامة ، تصوم النهار وتقوم الليل إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال (صلى الله عليه وسلم) : “هي في النار” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”.
ومن بيان حسن أدب الإسلام في التعامل مع الجار وبيان حقه على جاره قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “ وَإِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَه ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا ” ، لا أن تتباهى بها أمامه أو أن تستعلي بقدراتك وإمكاناتك المادية عليه .
ثم انظر إلى أدب الإسلام وقمة رقيًّه في العبارة التالية “ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده” أي علم ولدك الأدب فلا يخرج بها ليغيظ ولد جارك ، لأن الولد قد يخرج فيراه ابن جارك الذي لا يستطيع أن يشتري له والده مثل ما اشتريت لولدك ، فيتقطع قلب الولد وقلب الوالد مع ولده ، فتحدث الشحناء والبغضاء بين الجيران بسبب الغيرة والتحاسد “وَإِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلا يَخْرُجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهِ وَلَدَهُ وَلا تُؤْذِهِ بِقُتَارِ قِدْرِكَ إِلا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا ” أي لا تؤذه برائحة الطبخ، وخاصة إن كان شيئًا نفَّاذ الرائحة فأغلق النوافذ جيدًا حتى لا تؤذي الجيران ، إلا إذا كنت عازما على أن تطعمه وأهله منها، وكان سيدنا أبو الدرداء (رضي الله عنه) يقول لزوجه إذا طهيتي طعامًا فأكثري المرق حتى نرسل لجيراننا منه ، وكان سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) إذا ذبح شاة قال ارسلوا لجارنا اليهودي منها ، حيث إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أوصانا بحسن الجوار على إطلاقه ، ومعاملة جميع الجيران بما يستوجبه حق الجوار.
فمن حق الجار عليك أنه إذا مرض عدته، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، وإن استعان بك أعنته ، وإذا استغاث بك أغثته ، وأن تكف عنه الشر لا أن توذيه أنت بأي لون من ألوان الشر قولا أو فعلاً ، مع ضرورة مراعاة أعلى درجات المروءة معه ، وقد جعل سيدنا عمر بن الخطاب شهادة الجار لجاره أو عليه من أعلى درجات التزكية أو الجرح ، لأن الإنسان وإن خدع بعض الناس بعض الوقت فإنه لا يمكن أن يخدع جيرانه كل الوقت .
وعندما جاء أحد الجيران لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) :” كن محسنا ” . قال : وكيف أعرف أني محسن ؟ فقال : ” سل جيرانك ، فإن قالوا : أنت محسن فأنت محسن، وإن قالوا : إنك مسيئ فأنت مسيئ “، وكانت العرب قديمًا تعرف حق الجيران ، وفي أمثالهم “جار كجار أبي دؤاد” ، كان هذا الرجل من خيرة الجيران لجيرانه ، كان إذا مات أحد جيرانه وداه أي دفع لأهله ما يعادل دية رجل ، وإذا فُقد لجاره شيء أخلفه عليه من ماله .
و يروى أن أحد الصالحين كان له جار أصابته فاقة فباع بيته ،فمر جاره فسمع صوت بكاء أبنائه لفراق بيتهم ، فلما علم جاره الصالح اشترى البيت وأعاده إلى جاره وترك له المال .