حســــن الخـــاتمـــة
الأعمال بخواتيمها ، وخير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وختم له بحسن العاقبة ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا “، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ ” ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَقُولَ: ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ ” ، قَالَ : ” وَمَا يُؤَمِّنِّي، وَإِنَّمَا قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرَّحْمَنِ ، إِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَّبَهُ ” ، ويضرب القرآن الكريم مثلاً لسوء العاقبة فيقول تعالى: ” أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” (البقرة : 266).
وإذا كنا نُذَكِّر الناس في أول رمضان بأنه إذا جاء رمضان نادى منادٍ من قبل رب العزة (عز وجل) : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ، فإننا نؤكد أن الأمر ألزم في هذه الأيام الأخيرة من هذا الشهر الفضيل.
وإذا أردنا أن نعطى علامة من علامات قبول العمل أو عدم قبوله فإننا نذكر منها مدى حب الإنسان للطاعة والعبادة والارتباط بها والاجتهاد فيها والحرص على إتمامها على الوجه الأكمل ، لذا فقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) إذ دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وجدَّ واجتهد وشدَّ المئزر , اجتهادًا في العبادة ، وحرصًا على اغتنام هذه الأيام والليالي المباركة على أقصى درجة ممكنة .
وقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ” ، فالشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ، ومن مات حاجًّا بُعِثَ يوم القيامة مُلبيًا ، وهكذا في سائر أعمال الخير , فلينظر كل واحد منَّا في الحال التي يرجو أن يبعث عليها ، ولو فكر كل واحد منَّا في ذلك جيدًا فيما يجب أن يرى نفسه عليه وما لا يجب أن يرى نفسه عليه عند لقاء الله (عز وجل) يوم القيامة لما أقدم على عمل سوء أو منكر أو قبيح قط ، ولاجتهد أن يكون على الصورة التي يحب أن يلقى الله (عز وجل) عليها .
وليس الأمر في حسن الخاتمة مقصورًا على أعمال العبادات من صلاة وصيام وحج ودعاء وذكر وقراءة قرآن ، أو محصورًا في هذه الأمور فحسب ، إنما حسن الخاتمة يتجاوز ذلك إلى كل عمل يقوم به الإنسان ، فمن كان يكفل يتيمًا فلا ينبغي أن يتركه في منتصف الطريق بلا عذر ، إنما عليه أن يأخذ بيده إلى أن يبلغ رشده ويقوى على حمل أمره ، وكذلك من يقوم على شأن طالب علمٍ فقيرٍ ، فليجتهد أن يواصل الخير معه إلى أن يحصل على أعلى الدرجات العلمية ما دام هذا الطالب مؤهلاً لذلك ، وكذلك من يعمد إلى بناء مسجد أو مشفى أو دار سكن لإيواء غير القادرين أو أطفال الشوارع أو سكان بعض العشوائيات ، كل هؤلاء عليهم ألا يتوقفوا في منتصف الطريق وألا يصابوا بالفتور ، إنما عليهم أن يواصلوا العمل ما وسعهم ذلك, وكذلك حال من يعلم العلم أو الفقه أو القرآن الكريم .
وليدرك الإنسان أنه كلما دنا أجله كان أكثر حاجة أن يبذل جهدًا أكبر في الخير ، نسأل الله (عز وجل) أن يوفقنا لعملٍ صالحٍ ثم يقبضنا عليه غير ضالين ولا مضلين ، ولا مغيرين ولا مبدلين ، ولا فاتنين ولا مفتونين ، وأن يتقبل صلاتنا وصيامنا وركوعنا وسجودنا ، وأن يجعلنا في ختام هذا الشهر الكريم من عتقائه من النار , وأن يرزقنا الدوام على طاعته , فخير الأعمال ما داوم عليه صاحبه وإن قل.