ترشيد الاستهلاك وقت الأزمات
ينهى ديننا الحنيف عن الإسراف والتبذير في كل شيء ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً” الإسراء ( 26 : 27 ) ، ويقول سبحانه وتعالى : ” يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ” ( الأعراف : 30) ، ويقول سبحانه وتعالى: ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً” ( الفرقان : 66 ) ، ويقول سبحانه وتعالى : “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا”(الإسراء : 29).
ويقول على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) : ” تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ “(يوسف : 47) ، فهي دعوة إلى زيادة الإنتاج من خلال العمل الجاد الدءوب وإلى ترشيد الاستهلاك إلى أقصى درجة ممكنة ، حيث قال الحق سبحانه : ” إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ” ولم يقل إلا ما تأكلون .
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” كلوا واشربوا ، والبسوا وتصدقوا ، في غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ” (رواه البخاري) .
على أن النهي عن الإسراف والتبذير جاء عامًّا ليشمل الإسراف والتبذير في الإنفاق ، وفي سائر وجوه الاستهلاك في الطعام والشراب واللباس ، واستهلاك الكهرباء والغاز ، وكذلك الإسراف في الماء ، فعَنْ سيدنا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو (رضي الله عنهما) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ): ” مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ : (مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ ) فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ : “نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ” (رواه ابن ماجة).
نعم الإسراف إسراف ، ولو كان في الوضوء ، ولو كنت على نهر جار ، فالإسراف لا علاقة له بالقلة أو الكثرة ، وإلا لطلبنا من الفقير أن يرشد وتركنا الغني يفعل ما يشاء ، غير أن الأمر بالترشيد والنهي عن الإسراف جاء عامًّا للفقير والغني على حد سواء ، في الندرة والوفرة بلا تفصيل ولا استثناء .
وإذا كان ترشيد الاستهلاك مطلوبًا كنمط حياة ، فإن الأمر يكون ألزم وأولى في أوقات الشدائد والأزمات ، بل إن الأمر لا يقف عند حدود ترشيد الاستهلاك فحسب ، إنما يتطلب أمرين آخرين:
الأول : البعد عن الأثرة والأنانية والشره في شراء السلع وتخزينها فوق الحاجة الضرورية ، مما يتسبب بالطبع في شحها ورفع أسعارها وضرر الآخرين ، بل ضرر الجميع ، والقاعدة الفقهية الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار ، وقد قالوا : أنت حرٌّ ما لم تضر.
الأمر الآخر : هو أن أوقات الشدائد والأزمات تتطلب الإيثار لا الأثرة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر : 9) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة ، فهم مني وأنا منهم” (رواه البخاري) .