:أهم الأخبارمقالات

الوفـــاء من شيم الكرام

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

خلق الوفاء أحد أهم الأخلاق الإنسانية الراقية المرتبطة بمجموعة قيمية تدور حول الرقي والمروءة والنبل ، ويكفي للإنسان فخرًا وصفه بأنه وفيّ ، ويكفيه ذمًا  وسوءًا وصفه ووصمه بالخيانة أو الغدر أو الجحود ونكران الجميل ، ففي الحديث الشريف يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يشكر الله من لا يشكر النّاس ” (سنن أبي داود) ، وفي الحديث أيضًا : ” مَنِ استعاذَ بالله فأعيذُوه ، ومَنْ سألَ بالله فأعطُوه، ومَن دعاكم فأجيبُوه، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ” (سنن أبي داود ) .

وقد امتدح رب العزة (عز وجل)نبيه إبراهيم عليه السلام بالوفاء فقال سبحانه : ” وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ” (النجم :37 ) ، ويقول سبحانه : ” وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً “(الإسراء :34 )  ، ويقول سبحانه : ” وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ “(الأنعام :152) ، ويقول سبحانه : ” الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ” (الرعد : 20).

وخُلْفُ العهد والوعد وعدم الوفاء من علامات المنافقين ، وفي الحديث الشريف : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” (متفق عليه)، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ” (متفق عليه ) ، ويقول الحق سبحانه : ” وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” (النحل : 91-92) ، وقالوا : ثلاثة تعجل لها العقوبة في الدنيا : “الغدر واليمين الكاذبة ، ورد المعتذر خائبًا ” ، وفي الحديث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم : “إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ  فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ” (متفق عليه) ، وفي الحديث القدسي : ” ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ” (أخرجه ابن ماجه).

وقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أوفى الناس لأهله ولأصحابه وللناس أجمعين ، فقد كانت امرأة عجوز تزوره (صلى الله عليه وسلم) وهو في بيت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) ، فكان (صلى الله عليه وسلم) يقوم لها ويهش لها ويكرم وفادتها ، فسألته السيدة عائشة(رضي الله عنها) عن ذلك فقال (صلى الله عليه وسلم)  : “إنها كانت تأتينا على عهد خديجة” ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول عن السيدة خديجة أم المؤمنين (رضي الله عنها) ” آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَني النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ” وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول عن أبي بكر (رضي الله عنه) : “إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ  أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ “.

فما أحوجنا اليوم إلى وفاء حقيقي لا جحود ولا نكران للجميل فيه ، وفاء التلميذ لأستاذه ، والولد لأبيه ، والصانع لمن علمه ، والإنسان لمن أحسن إليه ، وأن لا نقابل الحسنة بالسيئة ، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى يرشدنا ويوجهنا أن نقابل السيئة بالحسنة فيقول سبحانه : ” وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” (فصلت :34) ، فكيف بمن أحسن إلينا ، ومد وقت الشدة يد العون لنا ؟! إنه الأولى بالوفاء والإكرام ، فالوفاء من شيم الكرام .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى