النزعة الانتقامية للإخوان
يقول الحق سبحانه وتعالى : “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ” ، وكان الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول : لولا أن الكلام يعاد لنفد ، أو قل لنُسي , فالإلحاح على المعانى قد ينبه الغافل ، ويوقظ النائم ، ويذكر الناسي ، ويلهب الحماس ، غير أن هذه الذكرى أو هذا التذكير إنما يكون واجبا وملحا في حالات الخطر الداهم ومواجهة التحديات ، وهو ما يدفعني دفعًا إلى أن أذكر دائمًا وبإلحاح بما ليس بعيدًا عنا مما قام به الإخوان الإرهابيون في الأمس القريب ، وما فعلوه بالأمس الأقرب ، وما يفعلونه الآن من فساد وإفساد وتبنٍ للعنف ودعوات للتخريب ، مع الكذب والتزييف المستمر .
أما ما فعلوه في الماضي من إقصاء واستبداد وفساد وإفساد وتخريب وتدمير وحرق للأخضر واليابس فإنه لا يخفى على أحد ، عندما عملوا على إقصاء كل المخالفين لهم في الرأي والمنهج حتى مع حلفائهم من الجماعات الدينية المتشددة والمتطرفة على حد سواء ، مع ما كان منهم من تطاول لهم على مؤسسات الدولة الوطنية ما بين محاولات اختراق ومحاولات تفكيك أو تهميش ، سواء من هجوم على الإعلام كانت أبرز ملامحه محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي ومحاولة إرهاب أو ترهيب الإعلاميين، وهجوم متواصل على مؤسسة القضاء كان أبرز ملامحه محاصرة المحكمة الدستورية وإصدار الإعلان الدستوري المكبل الذي أصدره المعزول في صورة غير مسبوقة في شكلها وجوهرها الاستبدادي سوى ماحكاه القرآن عن فرعون حين قال لقومه ” أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ” وقال لهم ” مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” .
ولم تكد تسلم مؤسسة وطنية واحدة من غدر الإخوان ومحاولتهم السيطرة عليها أو تفريغها وتهميشها، مع العجلة غير المسبوقة في الدفع بقياداتهم وعناصرهم من الصف الثاني والثالث وخلاياهم النائمة في صدارة المشهد في جميع المؤسسات بغض النظر عن مستوى كفاءتهم وقدرتهم على تحمل المسئولية ، أو الوفاء بحق الأمانة التي يمكن أن يتحملوها ، فالولاء عندهم أولا ، وأولا وأولا، متناسين قول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : “مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ، فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللَّهَ مَغْلُولًا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (مسند أحمد).
غير أن هذه العناصر الإرهابية الإجرامية كالثعابين والحيات في تغيير جلودها ، يراوغك أحدهم كما يراوغك الثعلب , ويماسحك كما يماسحك الثعبان ، يقسم مائة يمين ويمين أنه حريص على هذا الوطن في حين أنه ينخر كالسوس في عظامه ، ويعيث في الأرض فسادًا ، فهم كما وصفهم الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز فقال (عز وجل) : “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ “.
ويحاول فلول الإخوان جمع شتاتهم مع حلفائهم من الجماعات الإرهابية والحركات المشبوهة لإثارة المشكلات حينًا ، وتشويه الرموز الوطنية حينا آخر ، مع قيامهم بتغذية الإرهاب والتمكين له فكريا وفلسفيا وماديا ولوجستيًّا ، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك بتبني الجماعة للعنف وسياسة الاغتيالات ذلك المنهج الذي اعتمدته في الماضي لتصفية خصومها ، ثم عادت من جديد لتنتهج المنهج نفسه في روح انتقامية بلا وعي ولا حس ولا دين ولا ضمير ولا خلق ولا إنسانية .
لقد تخصص الإخوان بمعاونة أجهزة استخباراتية دولية عاتية في الانتقام سواء عن طريق الإرهاب والاستهداف الشخصي ومحاولات التصفية الجسدية ، أم عن طريق التشهير والانتقام المعنوي ، أم عن طريق تهييج الرأي العام والعمل على إثارته واختراع الأزمات من خلال تجنيد عناصر الجماعة وما يتوفر لها من دعم مادي من الدول الراعية للإرهاب الداعمة له التي تنفق عليه بسخاء منقطع النظير , على نحو ما يحاولون الآن في حالتنا المصرية الراهنة , ولكن هيهات هيهات , سيرد الله كيدهم في نحورهم خائبين خاسرين محسورين بإذنه وفضله سبحانه .
إن انتقام الإخوان من مخالفيهم في الرأي ، ومخالفيهم في المسلك ، ومخالفيهم في الأيدلوجية ، كل ذلك قد صار واضحا رأي العين ، حيث اتخذت جماعة الإخوان الإرهابية من النزعة الانتقامية مسلكا لإرهاب خصومها ومخالفيها ، غير أن ذلك كله لم يزد الناس لهم إلا كرها , وبمسلكهم وعملهم إلا كفرًا ، وبقى أن نحذر المخدوعين بهم، كما نحذر من خداعهم وكذبهم وعملهم الدءوب على تحريك النزعات الطائفية والمذهبية والمطالب الفئوية من جديد ، فقد صاروا لا خلاق لهم في شيء ، الغاية عندهم تبرر الوسيلة أي وسيلة كانت , دون تفكير في كونها مشروعة أو غير مشروعة , فالمشروع عندهم هو ما يصل بهم إلى سدة الحكم ، وما سواه لا مشروعية له ، فالذي يحدد المشروع وغير المشروع عند الجماعة الإرهابية هو ما يحقق أطماعهم ومخططاتهم ، وكلما كانت الوسيلة أسرع من وجهة نظرهم في الوصول إلى أهدافهم كانت أولى وعملوا على دعمها وتأصيلها بما يحفظون من نصوص , أما إذا لم تؤد إلى ما يريدون فإنهم يسخرون كل ما يملكون من أدوات بيانية وفنية ومواقع تواصل لهدمها وتفنيدها ، مما يتطلب منا جميعا أن نكون على وعي كبير بطبيعة هذه الجماعة , وأن نعمل على كشف طبيعتها الإرهابية وتاريخها الأسود ومنهجها في الغدر والخيانة والعمالة , وألا نقع في الفخاخ التي تنصبها لمن لا يوعون معنى الوطن , ولا يقدرون مخاطر التحديات التي تتهدد وطننا ومنطقتنا وأمتنا العربية.