النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذكرى مولده
النبي (صلى الله عليه وسلم)
في ذكرى مولده
ما إن يهل علينا شهر ربيع الأنور المسمى شهر ربيع الأول حتى يدخل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في حالة خاصة احتفاء بذكرى ميلاد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين، وهنا تتسع دائرة الحديث عن أخلاقه (صلى الله عليه وسلم) وسيرته وجوانب العظمة في حياته (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس خُلقًا، وأصفاهم نفسًا، وأحسنهم معاملة، فكان نعم القدوة في حياته كلها، حيث يقول الحق سبحانه: ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا”.
فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يعين أهله ويساعدهم في حاجتهم وفي شئون البيت، تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) أنه (صلى الله عليه وسلم):” كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ”، وسأل رجل السيدة عائشة (رضي الله عنها) ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصنع في بيته؟ قالت: “كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ”، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) أن النَّبِيّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ) قَالَ: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”.
وكان (صلى الله عليه وسلم) خير الناس لأمته، حيث يقول: “مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ “النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ”، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِى وَأَنَا مَوْلاَهُ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ الله مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا”، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَلَا قَوْلَ الله (عَزَّ وَجَلَّ) فِي إِبْرَاهِيمَ: “رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، وَقَالَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ): “إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: “اللهمَّ، أُمَّتِي أُمَّتِي” وَبَكَى، فَقَالَ الله (عَزَّ وَجَلَّ) يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ”.
وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ادْعُ الله لِي، فَقَالَ: “اللهمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ”، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حَجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟” فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ؟، فَقَالَ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “وَالله إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ”.
وقد كان (صلى الله عليه وسلم) أحفظ الناس للعهود، وأوفاهم بالمواثيق , وأكثرهم أداء للأمانات، ومن ثمة ترك الإمام علي (رضي الله عنه) ليلة الهجرة ليؤدي الأمانات لأصحابها من أهل مكة، وهم الذين آذوه وأخرجوه وحاولوا قتله، ولكن لم يقابل (صلى الله عليه وسلم) السيئة إلا بالتي هي أحسن.
فوفاؤه (صلى الله عليه وسلم) كان مضرب المثل في جميع جوانب حياته، ومن ذلك وفاؤه لوطنه، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحب وطنه مكة حبَّا جمًّا، فلما خرج (صلى الله عليه وسلم) من مكة نظر إليها نظرة المحب الوفي، وودِّعها، وهو يقول: “والله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله، وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إلى الله، ولولا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”، ولما عاد إليها بعد سنوات دخلها فاتحًا، فرحًا، وعفا عن أهلها برغم ما فعلوه معه، وكان (صلى الله عليه وسلم) يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب عليًّا ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه”، وقال عبد الملك بن قرَيْبٍ الأصمعي: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى أهله، وبكائه على ما مضى من زمانه.
وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يعامل أصحابه أفضل معاملة، يجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح بفرحهم، ويقضي حوائجهم، وهو ما عبرت عنه السيدة خديجة (رضي الله عنها) بقولها: ” إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”.