المسوخ البشرية
لا شك أن فن الأراجوز يحترم كفنٍّ ، وأن ممثليه يحترمون كمبدعين ، غير أنه من الأسى المحزن أن يتحول بعض من ينسبون أنفسهم إلى العلم أو حتى الخطاب التوعوي ، وأستحي أن أذهب في الوصف لأبعد من هذا إلى أراجوزات ، أو بعبارة أخرى مسوخٍ بشرية لا تنتمي إلى عالم الأراجوز الفني المبدع ، ولا إلى الإنسانية الراقية النبيلة .
وقد سألوا أحد الحكماء عن أهجى بيت قالته العرب فقال قول الشاعر الأموي جرير بن عطية بن الخطفى :
إن يغدروا أو يجبنوا … أو يبخلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجّليـ … ـن كأنهم لم يفعلوا
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأولى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ” (صحيح البخاري) ، ويقول الشاعر :
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤه
ولا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما
يدل على فعل الكريم حياؤه
فالعلم الحقيقي يحتاج إلى رجال حقيقيين وليس صبية طائشين ولا متصابين على سلم العلم، وبعبارة أكثر تمثيلا لحال بعضهم “العلم لا يصلحه تقمص شخصية الأراجوزات” العلم شيء واللهث خلف الشهرة باسم العلم شيء آخر .
لقد ابتلينا في زماننا هذا بفريقين صارا عبئًا ثقيلاً على دين الله (عز وجل) .
- الفريق الأول : تلك الجماعات الضالة المنحرفة التي تتاجر بدين الله (عز وجل) لا تألو على دين ولا وطن ولا خلق كريم ولا ضمير إنساني حي .
- الفريق الآخر : استهوته الدنيا وشهواتها حتى أصبح “اللايك والشير” لديه شهوة جديدة ، تسبق شهوتي البطن والفرج ، ولا تقل عنهما خطورة ، بحيث يحول فيها الباحثون عن هوس اللايك والشير من كائن نبيل إلى دمية تتحرك ، لتلفت نظر العامة على نحو ما كان يفعله عالم الأراجوزات في المناطق الشعبية .
وختامًا نؤكد : أن العالِمَ عالمٌ ، والمبدِعَ مبدعٌ ، والفنان فنانٌ ، فللعالم أدواته التي تجعل منه عالمًا، وللفنان أدواته التي تجعل منه فنَّانا ، وقديمًا قالوا : من خرج من داره قلَّ مقداره ، واليوم نقول من خرج من ثوبه إلى ثوب غيره وضع نفسه في مواضع الرِّيَب ، وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : “مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُه ما لا يَعنيهِ” فما بالكم بدخوله في غير ما يناسبه ، فمن دخل فيما لا يليق به لقي ما لا يحب أن يراه ولا يسمعه .
على أن الأصعب من ذلك هو أن يكون ذلك باسم خدمة الدين ، والدين من كل ذلك الهوس براء ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “من كانت الآخرةُ همه ، جعل اللهُ غناه في قلبِه ، وجمع له شملَه وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ ، ومن كانت الدنيا همه جعل اللهُ فقرَه بين عينَيه ، وفرق عليه شملَه ، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له” (رواه الترمذي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “من طلب الدنيا بعمل الآخرة طمس وجهه ومحق ذكره وأثبت اسمه في النار” (المعجم الكبير للطبراني) نسأل الله العلي العظيم السلامة من كل داء .