:أهم الأخبارمقالات

المتدثرون بلباس الزور

    الحق حق ، والباطل باطل ، والطيّب طيّب ، والخبيث خبيث  ، والجمال جمال ، والقبح قبح ، والزور زور ، والبهتان بهتان ، يقول سبحانه : ” قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ  فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” ، ويقول سبحانه : ” أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا  لَّا يَسْتَوُونَ ” ، ويقول سبحانه : ” أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ “.

    الصدق له وجه واحد ، والكذب له وجوه وطرق عديدة ، أما التزييف والتزوير فله مائة وجه ووجه ، الحق له سبيل واحد ، وللباطل ألف سبيل ، يقول الحق سبحانه : ” وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” ، فسبيل الله واحدة ، وسبل الشيطان هي سبل الانحراف ، وهي سبل شتى ، تتعدد قدر صور الانحراف البشري والشيطاني ، وعاقبتها الهلاك والبوار في الدنيا والآخرة ، حيث يقول الحق : ” أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” .

   وعلى الرغم من انتهاء عصر ألقاب الباشوية والبكوية بنهاية حكم الملكية وما كانت تمثله تلك الألقاب من وجاهة اجتماعية ، فإن الحال لم يتغير كثيرًا عند فئة ضعاف النفوس الذين يبحثون عن شراء الألقاب بالمال أو حتى الاحتيال بانتحال بعض الألقاب على غير الحقيقة ، كلقب الدكتور أو المستشار أو السفير دون أن يكون هذا حاصلا على الدكتوراه ، ولا ذاك مستشارًا ولم يرتق منصة قضائية قط ، ولا ذاكم سفيرًا ولم يطأ السلك الدبلوماسي بقدمه يومًا ما ، غير واعين أن من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك وهجاك ، وأن موقفًا واحدًا من الخجل يتعرض له الإنسان لا يُوزان عند الحر الأبيّ بالدنيا وما فيها ، إضافة إلى تعمد الكذب الذي يعد مُخِلاًّ بالمروءة ، وانتحال صفة يعاقب القانون على انتحالها .

   الحق أبلج ، والباطل لجلج ، وليس كل ما يلمع ذهبًا ، ولا كل بيضاء شحمة ، ولا كل الخيول جيادًا , فنقائص النفس لن تجبرها أدوات الشكل والزينة ، ونضوب المعين العلمي والفكري لا يمكن أن تجبره الألقاب المزيفة ، ولو ادّعى المبطل ألف لقب وزوّر ألف شهادة ، فيظل الذهب ذهبًا ، والنحاس نحاسًا , وكما قال الرافعي : قد يحمل الجبان سيفًا ويحتفظ في بيته بألف سيف وسيف ولكن البطل قبْلُ .

    ويمكن للدَّعي المغرور أن يخدع بعض الناس لبعض الوقت ، ولكنه لا يمكن أن يخدع كل الناس كل الوقت ، والكذب لا أصل له ، ولا بد للدّعيّ أن ينكشف أمره ، وأن يفتضح سره ، وأن تظهر حقيقته ، وساعتها سيخسر كل شيء ، ويخسر ذاته إن كان له ذات يمكن أن يخسرها .

    الإنسان بعلمه وخلقه ووعيه وثقافته ووطنيته وبذله وعطائه وإتقانه لعمله ، وقدره الحقيقي ما يحسنه فعلاً لا ادعاء ، حقيقة لا وهمًا .

    ولا يعفي الإنسان أنه لم يطلب من أحد أن يصفه بذلك ، بل إن واجبه أن يصحح ذلك ولا يترك مناسبة دون تصحيح ، لأن ذلك يرفعه ولا ينتقص منه ، إذ إن من يقوم بذلك التصحيح إنما هو إنسان عظيم واثق في الله ثم في قدراته معتز بكينونته الحقيقية لا ما يستر به البعض أنفسهم من ألقاب منتحلة ومزيفة  .

    ما أجمل الصدق مع الله ، ومع الناس ، ومع النفس ، وما أقبح الكذب على الله ، وعلى الناس ، وعلى النفس ، إن الكذب من أخص صفات المنافقين ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور ليهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

    ثم إن العلماء يؤكدون أن معيار الصدق والكذب أحد أهم معايير قوة الإيمان وضعفه ، حتى عرف بعضهم الإيمان بقوله : أن تقول الصدق مع ظنك أن الصدق يضرك وألا تقول الكذب مع ظنك أن الكذب قد ينفعك ، لشدة إيمانك بأن ما كان لك فسوف يأتيك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، “رفعت الأقلام وجفت الصحف” .

   ويلحق بالمتدثرين بلباس الزور أولئك الذين يحاولون إخفاء حقيقتهم من الخلايا النائمة للجماعات الإرهابية المتطرفة الذين يقسم أحدهم ألف قسم وقسم أنه على خط الوطنية المستقيم وعلى خط الفهم الوسطي المستنير غير أنه يضمر غير ذلك ، ويتخذ من التقية المقيتة شعارًا ومن لباس الزور ستارًا يستر به انتماءه للجماعات المنحرفة عن طريق الرشاد .

 

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى