:أهم الأخبارمقالات

الفتوى بين الإتاحة والمنع

ما أغنانا في الأوقات الصعبة عن إثارة الجدل ، وما أحوجنا إلى العمل ، والاجتماع على كلمة سواء لا تألو على شئ سوى وحدة الصف ، في ضوء الحفاظ على ثوابتنا الشرعية التي لا نقبل المساس بها ، بل إن مهمتنا هي الحفاظ عليها ، ونشر صحيح الأديان التي لا غنى للإنسان عنها ، مؤكدين أن الفهم الصحيح الواعي للأديان هو دائمًا جزء من الحل ولا يمكن أن يكون أبدًا جزءًا من المشكلة ، إنما المشاكل هي في سوء الفهم ، أو التوظيف النفعي للدين ، والخروج به عن وظيفته التي أنزل وشرع لأجلها وهي هداية الناس وخير البشرية ، فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله تعالى .

وفيما يتصل بما أثير حول موضوع الفتاوى فنحن جميعًا مع ضبط الفتاوى ، وندرك خطورة الفتوى غير المنضبطة وأثرها في إثارة الجدل وما قد يترتب على بعض الفتاوى الشاذة من مخاطر قد تعصف بمجتمعنا ، وما هذه الجماعات الإرهابية إلا نتاج فتاوى شاذة مضللة .

وإنني لأناشد مجلس النواب الموقر سرعة إخراج قانون الفتاوى الذي توافق عليه الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية بإجماع في اجتماع اللجنة الدينية في مشروع قانون أراه شديد التوازن ، وضعًا للأمور في نصابها ، وليكون أي تصرف تصرفًا صحيحًا مبنيًا على أسس قانونية لا على مجرد رؤى ، وأؤكد على الآتي:

  • أن أمر الفتوى جلل ، وشأنها خطير ، وأن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) كان كل واحد منهم يتمنى لو أن غيره كفاه أمرها .

وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إذا عرض له أمر عام من شئون الدولة جمع أهل العلم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليروا فيه رأيهم ، ثم يختار هو من بين هذه الآراء ما يراه محققًا للصالح العام.

وعليه فإن هناك مسائل تحتاج إلى اجتهاد جماعي مؤسسي لا إلى رؤى فردية ، فإذا ما حسم الأمر ورأى فيه الحاكم رأيه في الاختيار من بين الآراء المتعددة التي يعرضها أهل العلم ، فصارت في عصرنا الحديث قانونًا ، قيل هنا : إن اختيار الحاكم يقطع الخلاف في المختلف فيه ، فتصير عليه الفتوى في هذا القطر ويحاسب من يخرج عليها وإلا لصارت فوضى وفتنة .

  • إذا كنا نبحث عن الوسطية في كل شئ دون إفراط أو تفريط فإن الوسطية ليست كلامًا ولا ادعاء ، إنما يجب أن نتبناها قولاً وعملاً وتطبيقًا ومنهج حياة ، ففي الوقت الذي أكدنا وما زلنا نؤكد وسنظل نؤكد على منع غير المؤهلين وغير المتخصصين في الخطاب الديني من الخطابة والإفتاء على حد سواء ، احترامًا للتخصص ولطبيعة الخطاب الديني ، فإننا نرى في الوقت نفسه أن التضييق على المتخصصين يعد إقصاء يذهب إلى أقصى الطرف النقيض من المعادلة ، وهو جانب الغلو والإفراط غير المقبول في الاحتياط .

وأرى أن الأمثل في الظهور الإعلامي لجميع المتخصصين في جميع المجالات والعلوم هو الإتاحة ،  ويكون الاستثناء هو المنع ، على أن يكون مبررًا ومسببًا ، وأن تقوم المؤسسات الدينية من خلال مراصدها وإدارتها المختصة بتشكيل لجان لمتابعة ما يبث وما ينشر إعلاميًا حول الشأن الديني ، وتتخذ كل مؤسسة من الإجراءات الإدارية والقانونية تجاه أي تجاوز يصدر من أي من المنتسبين إليها في هذا الشأن ما تراه مناسبًا أو رادعًا ، كما تقوم بمخاطبة المجلس الأعلى للإعلام بخطاب يمنع من ترى منعه ، للمصلحة العامة مبررًا بأسباب المنع ، حتى لا يخرج الأمر عن سياقه .

3- أن نتخذ جميعًا كل الحذر ، ونتعاون أقصى درجات التعاون لمنع تسلل عناصر الجماعات الإرهابية المتطرفة وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية إلى عقول المجتمع عبر تسلل بعض عناصرها إلى وسائل الإعلام  ، وإذا كان تسلل بعض عناصر الجماعة إلى وسائل الإعلام على إطلاقه أمرًا خطيرًا فإن تسلل هذه العناصر إلى بعض برامج الخطاب الديني هو الخطورة نفسها ، لأن بضاعة هذه الجماعات الإرهابية هي المتاجرة بالدين ، ولبس مسوح المتدينين ، ومخادعة المجتمع بتسويق أنفسهم أنهم حماة الدين والفضيلة مستغلين عملية التدين الفطري وحب الناس لدينهم ، فتجد لبعضهم غمزًا هنا ولمزًا هناك انتظارًا أو ترقبًا وتحينًا لفرصة الانقضاض على الدولة ، لأن هذه الجماعات ربّت عناصرها المجرمة على الكفر  بالوطن ، فهي لا تؤمن  بوطن ولا بدولة وطنية ، وترى المجتمع جاهلا جاهليًا ، لتنتقل من التجهيل إلى التكفير إلى التفجير ، وهْمًا منها أن هذا هو الطريق إلى السلطة التي تسعى إليها حتى لو كان ذلك على حساب الدين والوطن أو دماء الخلق ، وهو ما يجب أن نحذر منه ، وأن لا تكون سلبيين تجاه تسرب بعض عناصر الجماعة المتطرفة إلى وسائل الإعلام عبر منصات الإفتاء أو تجديد الخطاب الديني .

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى