:أهم الأخبارمقالات

الطريق إلى داعش

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

الطريق إلى داعش يمر عبر دروب كثيرة ، نتناول في هذا المقال جانبًا من أخطرها ، ألا وهو إعلاء مصلحة الجماعة على مصلحة الدولة ، والافتئات على قوانين الدولة المنظمة لحياة الناس وعمل المؤسسات ، والاحتيال عليها تحت أي مسمى كان ، بأي حيلة من الحيل التي تستحلها وتستبيحها تلك الجماعات التي تتاجر بالدين ، ولا سيما إذا صاحب ذلك غض الطرف عن هذا الافتئات على القانون بدعوى المواءمة من بعض الأشخاص الذين يحاولون إمساك العصا من المنتصف ، ذلك أن أمر هذه الجماعات يبدأ بخرق القانون وانتهاكه وتبرير ذلك من باب أن الغاية تبرر الوسيلة ، وأن كل ما يؤدي لتمكين الجماعة مباح ، مع تجنيد من تستطيع تجنيده لخدمة أغراضها ، فقد استخدمت هذه الجماعات ولا زالت تستخدم الدين لخداع العامة، والحصول على تأييدهم ودعمهم الانتخابي أو الأيدلوجي لها ؛ لأجل اعتلائها سدة السلطة وتوظيفها هي الأخرى لصالح الجماعة وأفرادها وعناصرها مع إقصاء مقيت لكل من لا ينتمي إليهم ، إضافة إلى رمي المجتمع بالجاهلية أو الكفر أو الفسق والابتداع على نحو ما تؤصل له أفكار جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات المتطرفة .

علمًا بأن أكثر شباب هذه الجماعات يضع كلام مرشدهِ فوق كل اعتبار ، وهو المقدس الذي لا يرد ، ولا مجال للتفكير أو إعمال العقل فيه ، على نحو ما يصدر عن بعض شيوخ الفتنة والفساد والضلال والإضلال الذين ينصحون الشباب بتسليم أنفسهم لجماعة الإرهاب الإخوانية أو الإخوان الإرهابية التي يحيطها الإرهاب من كل جانب ، وما عليه بعد أن يسلم نفسه لها إلا أن يمتثل لما تمليه عليه جماعته حتى لو كان تفجير نفسه ، فهم يولون مرشديهم السمع المطلق والطاعة المطلقة العمياء في إغفال واضح ومتعمد لدور العلم والعقل مع تلاعب بأصول الشرع وفروعه وتحريف لنصوصه ولي لأعناقها ، وهو ما تعمل قيادات هذه الجماعات المتطرفة على ترسيخه للسيطرة التامة على عقول أتباعهم وعناصرهم ، بحيث تتعود هذه العناصر مع الزمن إلغاء العقل ، والتسليم المطلق لما تطلبه الجماعة عبر مرشدها أو من ينوب عنه .

على أن الطريق إلى داعش غالبًا لا يأتي صدفة ، إنما يبدأ استدراجًا وبخاصة للناشئة والشباب ، من خلال نشر المفاهيم الخاطئة ، التي تبدأ بتكفير الحكام ، فالمجتمعات ، فالدعوة إلى الخروج ، فالجهاد ، فالتفجير ، فالقتل ، ومن ثمة كان لا بد من تصحيح هذه المفاهيم ، وهو ما دفعنا إلى رصدها ، وتحليلها ، وتفنيدها ، وجعلها المرتكز الأساسي للتدريب والتثقيف العلمي ، رجاء أن نصل بتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة إلى كل فرد من أفراد المجتمع ، لتحصنه من ضلالات تلك الجماعات الإرهابية .

كما أن هذه الجماعات المتطرفة كثيرًا ما تصوب وجهتها نحو المهمشين ثقافيًّا أو اجتماعيًّا أو المحطمين نفسيًّا ، فيأتون إلى إنسان ينظر زملاؤه إليه نظرة انتقاص واحتقار ، فيجعلون منه مسئولاً أو منسقًا أو زعيمًا أو أميرًا أو قائدًا لمجموعة مسلحة ، فيحدثون لديه امتلاء نفسيًّا وسدًّا لعقدة النقص التي لديه ، وقد يأتي هذا الاصطياد إثر تعرضه لمأساة أو معرّة أو مذلّة أو مهانة ، وبخاصة إذا كان من الجهلة والفاشلين وغير المتعلمين ، يَنفْذون إليهم في لحظات حرمانهم أو يأسهم أو إحباطهم ، ونتيجة للأموال الضخمة التي تتلقاها المنظمات الإرهابية فإنها تغدق على هؤلاء بما يشبع حرمانهم ، ويجعلهم يلهثون خلف هؤلاء المخادعين الذي ينفذون إليهم من باب أنهم رسل العدالة وحملة لواء الدين ، وأنهم يسعون إلى إحقاق الحق والعدل وتطبيق شرع الله الذي يكفل لهؤلاء المطحونين حقوقهم ، في كلمات لا يراد بها سوى الباطل.

ويمكن أن نتجنب هذا وأن نجنب شبابنا إياه لو أننا طبقنا منهج الإسلام في احترام إنسانية الإنسان وآدميته ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:  ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ” .

وكذلك من خلال إعطاء الأولوية القصوى في التنمية للمناطق الشعبية والعشوائية والطبقات الكادحة والمهمشة والمحرومة والقرى والنجوع والكفور والعزب والأحياء الأكثر فقرًا والأشد احتياجا ، وهو ما تتجه إليه الدولة وبقوة في هذه المرحلة ، مع ضرورة العمل على استنهاض همم الجمعيات والمؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني وأهل الفضل من أبناء المجتمع للوفاء بحق هؤلاء من زكاتهم وصدقاتهم ، مؤكدين أن كفاية هؤلاء المحتاجين بإطعام كل جائع منهم ، وكساء كل عار ، ومداواة كل مريض ، وتفريج كروبهم ، من فروض الكفايات التي يجب أن نتضامن ونتعاون جميعا في قضائها .

كما يجب أن نعمل معًا وأن نسابق الزمن على تحصين شبابنا بالعلم والفكر والثقافة وصحيح الأديان مرضاة لله (عزّ وجلّ) من جهة ، وحفظًا على أمننا القومي والوطني وشبابنا من أن تتخطفه أيدي الدواعش من جهة أخرى.

 

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى