:أهم الأخبارمقالات

الطبيب الإنسان

لكم من طبيب إنسان بكل ما تعنيه كلمة الإنسانية من معان عرفته ، ووددت لو ذكرت كل واحد منهم باسمه إكرامًا لإنسانيته ، غير أن المقام سيطول بذكر كل من عرفت من الأطباء النبلاء ، فالطب مهنة إنسانية قبل كل شيء , وقد سموا الطبيب حكيما , والأطباء حكماء , لما هم عليه من الحكمة , وما يجب أن يتسموا به منها , وعلى الرغم من أني مدين لأكثر من تعاملت معهم من الأطباء بكرم الطباع وحسن المعاملة , ولم أجد من أحدهم إلا ما يحمل على المودة والتقدير , فإنني من واقع انشغالي بترسيخ كل ما هو إنساني أذكّر بما يأتي :

  • أن المريض إنسان مكروب , ولا كرب أشد من المرض , وأصعب من الألم , فالمريض إنسان في موضع ضعف شديد مهما كانت رتبته أو مكانته العلمية أو الأدبية أو السياسية أو إمكاناته المالية , ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ” , وليست الكربة في المال أو ضيق ذات اليد فحسب , بل إن كربة الألم أشد وأوجع , بدليل أن الإنسان مهما كانت درجة فقره أو فاقته فإنه يكون على أتم استعداد لبيع كل ما يملك بما فيه بيته الذي يأويه , بل على استعداد أن يستدين بأي طريق كان ليعالج نفسه  أو زوجه أو ولده أو أحد أبويه .
  • أن المريض أكثر الناس حاجة إلى بث الأمل والطمأنينة في نفسه ولو مع دنو أجله , كما أنه في حاجة إلى الكلمة الرقيقة , والبسمة الحانية , وإذا كانت البسمة في وجه أخيك الإنسان صدقة , فإنها في وجه المريض ألزم وأوجب وأعظم أجرًا وثوابًا , كما أن المريض معذور بمرضه وإن ألح في السؤال لجهله ، ألم يقل الحق سبحانه : ” وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ” , بإطلاق لفظ المريض دون تفرقة بين مريض ذكي وآخر غبي , أو مريض عالم وآخر جاهل , أو مريض مثقف وآخر غير مثقف؟!.
  • أن المريض قد يجتمع عليه المرض والعوز فيكون أكثر حاجة إلى الرحمة والشفقة , والصبر عليه, وجبر خاطره , وعدم الاشمئزاز منه , فهذا المريض كفيله وشفيعه هو ربه الذي اختبره وامتحنه بما هو فيه من فقر ومرض , ألم يقل الحق سبحانه في الحديث القدسي : ” يَا ابْنَ آدَمَ: مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي , قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟!” .
  • ضرورة أن يتذكر الطبيب ما أنعم الله عليه به من نعم الذكاء والتعلم والتفوق والتوفيق , وأن يعلم أن لكل هذه النعم شكرًا يجب أن يؤدى , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ “, وأفضل شكر للنعمة هو ما يكون من جنسها والإحسان فيها , فشكر المهارة في الطب يكون بحسن معاملة المرضى وإكرام الفقراء والمحتاجين منهم ، وأن نتذكر جميعًا أن من لا يرحم لا يُرحم ، وأن الرحمة لا تنزع إلا من شقي.
  • أن ما كان مكتوبًا لأي إنسان منا من المال أو غيره فسوف يأتيه دون زيادة أو نقصان , وأن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا , وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا , ولن تموت نفس حتى تستوفى أجلها ورزقها , وأن كل شيء عند الله سبحانه وتعالى بقدر ومقدار.

أن كفاية الأمة في جميع مجالات الحياة إنما هو فرض من فروض الكفايات , إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين , وإن لم يقم به أحد أثم كل من علم وكان قادرًا على أن يقوم بفرض الكفاية ولم يفعل , فكما أن تعليم علوم الدين وأصوله فرض كفاية على العلماء , ومحو أمية غير المتعلمين فرض كفاية على المعلمين , فإن علاج المرضي فرض كفاية على الأطباء في كل مجتمع من المجتمعات قرية , أو مدينة , أو دولة , كل على قدر استطاعته ، على أن يكون الأمر على أعلى درجات الهمة والاستطاعة لا على أقلها ولا أدناها ، فلا عليك إن خصصت جزءًا من وقتك لعلاج غير القادرين في مصحتك أو مشفاك.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى