:أهم الأخبارمقالات

الصورة الذهنية للأفراد والمجتمعات

الصورة الذهنية لأي شخص أو مجتمع تنعكس سلبًا أو إيجابًا على قبوله أو رفضه ، على التعامل معه أو ضده.

الصورة الذهنية منها ما هو عارض خاطف ، ومنها ما هو مترسخ ومتجذر في الذاكرة ، غير أن بناء الصورة الذهنية لشخص أو شعب يحتاج إلى مساحات أوسع من الزمن وجهد ملموس على الأرض.

الصورة الذهنية الخاطفة أو العارضة قد تكون محدودة التأثير غير أن تراكم هذه الصور يؤدي بلا شك إلى بناء صورة ذهنية راسخة متجذرة تكون ذات أثر بالغ في الحكم على الأفراد أو الشعوب .

الصورة الذهنية الخاطفة تكون وليدة موقف أو لحظة كحسن مقابلة السائح ، أو إنهاء إجراءات استقباله بسهولة ويسر في جميع خطوات التعامل معه بدءًا من الحصول على إذن الدخول ، إلى إنهاء إجراءات استقباله بالمطارات والموانئ ، فالفنادق ، فالمتاحف ، فسائر التعاملات .

وقد تتكون الصورة الذهنية لدى السائح بنظرته إلى مستوى النظافة والنظام واللمسات الجمالية والطراز المعماري لدى الشعب المضيف .

وقد تتكون الصورة الذهنية عن الدول والشعوب من خلال السلع التي تنتجها تلك الدول والشعوب ومستوى جودتها ومهارة صانعيها وحرفييها ، وأطبائها ، ومهندسيها ، ومعلميها ، وعلمائها ، وأدبائها ، ومفكريها .

وأرى أن الجانب السلوكي من أهم الجوانب المؤثرة في بناء الصور الذهنية ، وقد قالوا : حال رجل في ألف رجل خير من كلام ألف رجل لرجل ، فالناس لا يصدقون الكاذب ، وإن خطب فيهم ألف خطبة وخطبة عن الصدق ، ولا يأتمنون الخائن أو الغادر وإن أعطاهم ألف عهد وميثاق وحدثهم ألف حديث وحديث عن الأمانة والوفاء ، لذا يجب أن يكون لنا وجه واحد ظاهره كباطنه ، وليس لنا وجهان أحدهما ظاهر والآخر خفي ، إذ يمكن للإنسان أن يخدع بعض الناس لبعض الوقت ، لكن لا يمكن لأي إنسان مهما كان ذكاؤه ومهما كانت حصافته وحيطته ودهاؤه أن يخدع كل الناس كل الوقت .

           ولا شك أن المستوى الثقافي والمعرفي لأي شخص إنما ينعكس على الصورة الذهنية عنه ، فكلما كان الإنسان منطقيًا في خطابه كان أكثر إقناعًا ، أما إذا كان ظاهرة صوتية يعتمد على الجعجعة وارتفاع الصوت دون سند من العقل والفكر والمنطق فإنه لا يمكن أن يقنع أحدًا وإن توهم أنه ربح جولة أو جولات بعلو الصوت أو تجاوز حدود اللياقة في الحوار كوسيلة لإسكات المخالف ، إذ يظل مجرد ظاهرة صوتية لا أثر لها ، وإن كان من أثر فهو أثر سلبي يصم الآذان عنه لما يلحقها من أذى صوته غير المنضبط .

وإذا أردنا إعادة بناء الصورة الذهنية لرجل الدين أو عالم الدين ، فيجب بناؤها على أساس سليم علميًا ومهاريًا وفكريًا وتربويًا ، يجب أن نحرر الخطاب الديني من أصحاب الأهواء والأفهام السقيمة على حد سواء ، وأن نتحول بقضية الخطاب الديني من كونه وظيفة إلى رسالة ، وأن يتم التركيز على الكيف لا الكم ، فإذا ما بدأ الباحث بتعلم العلوم الدينية فإن ذلك يتطلب دراسته لمكون ثقافي عام لا يقل عن أربعين في المائة بما يؤهله لفهم الواقع الذي يعيشه بكل جوانبه ، ويحقق بناء العقلية الجامعة دينيًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا وفكريًا وقانونيًا وإنسانيًا ، ولا مانع أيضًا من النظرية العكسية أن يتم النظر في قبول الحاصلين على شهادات علمية في التخصصات المختلفة ممن لديهم الاستعداد لدراسة العلوم الدينية في برامج تأهيل متقدمة في مجال الثقافة الإسلامية على أيدي العلماء المتخصصين ، ثم نقوم بعمل مزج وتدريب مشترك لهؤلاء وأولئك ، بما يتيح فرصًا واسعة للاحتكاك المباشر والحوار المباشر بين هؤلاء وأولئك ، مما يسهم في التقارب بدل التنافر ، وقد قالوا : من جهل شيئًا عاداه.

وعلينا كل في مجاله وميدانه أن نعمل على تصحيح الصورة الذهنية عن ديننا من خلال نشر الفكر الوسطي المستنير ، وتفكيك الفكر المتطرف والتمسك بأخلاق الإسلام ومثله العليا، وأن نعمل كذلك على تصحيح الصورة الذهنية عن أوطاننا من خلال العمل والإتقان والإبداع والابتكار والسلوك القويم معًا .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى