:أهم الأخبارمقالات

الصدِّيقان

mokhtar-Gomaa copy2

هناك في اللغة العربية ما يعرف بفن التغليب ، كإطلاق لفظ القمرين على الشمس والقمر ، والمدينتين على مكة المكرمة والمدينة المنورة، والأبوين على الأب والأم، والعمرين على أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) ، والأسودين على التمر والماء، بتغليب صفة التمر على صفة الماء، والصدِّيقين على أبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما) ، وكأن هذين الصحابيين قد تبادلا تغليب الاسم وتغليب الصفة.

أما أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه) فقد بلغ ما بلغ من المكانة والمنزلة بقدر ما أعطى وقدر ما ضحّى، ولُقب بالصديق لصدقه مع رسول الله( صلى الله عليه وسلم) في صحبته وشدة تصديقه له وإيمانه برسالته، فعندما قال له المشركون إن صاحبك  يعنون سيدنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم عاد في ليلة واحدة ونحن نضرب أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، فقال (رضي الله عنه) إن كان قال فقد صدق ، إني لأصدقه في أبعد من هذا في الخبر يأتيه من السماء .

وعندما دعا النبي( صلى الله عليه وسلم) إلى الصدقة في أيام العسرة جاء أبو بكر(رضي الله عنه) بكل ماله، فقال له النبي( صلى الله عليه وسلم) ماذا تركت لأولادك يا أبا بكر فقال (رضي الله عنه) : تركت لهم الله ورسوله ، حتى قال عنه رسول الله( صلى الله عليه وسلم):” إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر” (رواه البخاري) ، وفي حديث آخر  “إنَّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كَذَبْت. وقال أبو بكر: صَدَق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مـرَّتين، فما أُوذي بعدها” (رواه البخاري) ، وفي حديث آخر” لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا”(رواه البخاري) .

والصدِّيقان صديقان وصاحبان فقد كان  عمر (رضي الله عنه) هذا الرجل القوي أطوع الناس لخليفة رسول الله أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ، وخير صاحب وخير داعم له، ولما أراد أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الخروج بنفسه على رأس أحد الجيوش المتجهة لقتال المرتدين قال له عمر يا أبا بكر نقول لك ما قاله لك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ! يا أبا بكر لمّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك .

ثم جاءت أيام عمر فإذا الشدة تمتزج بالرحمة فلا تدري أهو الرجل القوي الشديد أم هو الرجل شديد الرأفة والرحمة برعيته ؟ ، مر يومًا مع أصحابه على واد بمكة فوقف عنده قائلا : لقد رأيتني هنا وأنا عمير أرعى إبل الخطاب وكان غليظًا يتعبني ،  فقال له ابنه عبدالله : ما حملك على هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : إن أباك قد خشي أن ترفعه نفسه فأراد أن يضعها ، وقد رؤي باكيًا خلف جدار وهو يقول: بخ بخ لقد صرت أمير المؤمنين يا عمر ، مستعظمًا ذلك على نفسه ، وكان (رضي الله عنه) يقول والله لئن نجوت كفانا لا علي ولا ليّ إني لسعيد.

وجاء عام الرمادة أو المجاعة فجمد  فيه عمر حد  السرقة في شجاعة نادرة ورؤية فقهية ثاقبة وكتب يومًا إلى  أحد عماله .

ماذا تصنع إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده، فقال عمر: فإن جاءني جائع قطعت يدك.

وقد استطاع حافظ في عمريته الرائعة أن يلقى بعض الظلال على جوانب هامة من حياة عمر (رضي الله عنه) فقال:

وهال صــاحب كسرى أن رأى رجــــلًا

بين الرعية عطـــــــــلًا وهـــــــو راعيهــــــا

فقال قــــــــــــولة حــق أصبـــــحت مثـلًا

وأصبـــح الجيل بعـــــد الجيل يرويهـــا

أمــــــــــنت لمـــــا أقــمت العدل بينهم

فنــــــــمت نــــوم قــرير العين هاديهــــا

إن جـــــــــــــاع في شــدة قوم شركتهم

في الجوع أو تنجــــلى عنهــم غواشيها

فـــــــمن يباري أبــــــــــا حفص وسيرته

أو من يحــــــــــــــاول للفــــــاروق تشبيهًا

فمن أرد أن ينظر إلى الوجه المشرق لتاريخنا المجيد وعظمة حضارتنا الإسلامية فلينظر إلى تاريخ هؤلاء العظماء ليدرك أنهم ملأوا الدنيا عدلًا وفقهًا وسماحة وأخلاقًا وقيمًا ، وحق لهم أن يقو ل فيهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ” (رواه البخاري).

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى