الصحافة المتخصصة
لا شك أن الصحف العامة هي في الغالب الأعم الأوسع انتشارًا , والأكثر رحابة وديناميكية في التعامل مع الأحداث , غير أن الصحافة المتخصصة قد صنعت أعلاما ونجوما وقامات في السياسة والأدب والنقد والرياضة وغير ذلك من المجالات , وكانت تلك الصحف والمجلات المتخصصة لا تستكتب سوى الأفذاذ في تخصصاتهم .
نعم , قد يكون توزيعها محدود العدد نسبيا بالقياس للصحافة العامة لكن مضمونها بعيد الأثر , عميق المغزى , فكم من كتب ودراسات وبحوث علمية قامت على أكتاف الصحف والمجلات المتخصصة , وكذلك الصفحات المتخصصة داخل الصحف العامة التي كانت من الصعب أن يشرف عليها أو يشرف بالكتابة فيها غير المتخصصين الأفذاذ, غير أن حب الانتشار السريع أو قل بلا تحفظ حب الشهرة والنجومية قد دفع بعض القائمين على هذه الصحف وبعض كتابها إلى الاستعجال في جني الثمار السريعة فتحولوا بصحافتهم المتخصصة إلى مجال الصحافة العامة أو ما يشبهها , فلا هي احتفظت بخصوصيتها كصحافة متخصصة ولا هي استطاعت أن تجاري الصحف العامة , فالبون شاسع بين الاتجاهين .
وهكذا صار الحال في كثير من البرامج الإعلامية العامة والبرامج الإعلامية المتخصصة , مما أفقدنا ثقلا معرفيًّا وعمقا مهنيًّا في تناول القضايا المتخصصة , وأصبح الكل خبيرًا في كل شيء , ولو على حساب العمق أو المهنية , مما يجعلنا ننادي بإعطاء الصحافة المتخصصة والبرامج المتخصصة فرصتها , ونهمس في أذن القائمين عليها بأن أبطأ الدلاء أملؤها , ومن سار على الدرب وصل , وأن المُنْبَتَّ لا ظهرًا أبقى ولا أرضا قطع , والخلاصة أن الصحافة المتخصصة هي صحافة النفس الطويل , والرسوخ المهني والتخصصي لمن كافح وصبر.
وللنهوض بالصحافة المتخصصة أقترح الآتي :
1. أن تسند رئاسة تحرير أي صحيفة متخصصة أو الإشراف على الصفحات المتخصصة والبرامج المتخصصة إلى إعلاميين متخصصين في المجال الذي يسند إليهم.
2. أن يحرص قيادات هذه الصحف أو الصفحات أو البرامج على تطعيمها بالجوانب المتخصصة إلى جانب التثقيف العام .
وعلى سبيل المثال تتضمن صحف وصفحات الشأن الديني أعمدة حول أسباب النزول , أو قضايا فقهية معاصرة , أو مصطلحات علمية , أو فقه المعاملات , أو فقه الأسرة , ونحو ذلك بكتابات رصينة علمية سهلة أسلوبية بعيدًا عن التعقيد واللغة الأكاديمية أو التراثية المحضة أو عرض لأحدث الإصدارات العلمية والدعوية والثقافية على نحو ما يتم في هذه الصحفة صفحة الدين والحياة من عرض لأحدث إصدارات الأوقاف قارب العشرين إصدارًا , وفي مجال الصفحات الأدبية نفرد أعمدة لأعلام الشعراء أو أعلام الكتاب أو أعلام الروائيين إضافة إلى الأعمدة النقدية , مع تشجيع المواهب والإبداعات الشبابية بما يعيد المجال العلمي والثقافي والنقدي لهذه الصحف وتلك الصفحات والبرامج المتخصصة , ويسهم في حراك علمي وثقافي عام .
وأؤكد أننا على استعداد لدعم الصحف والصفحات والبرامج الجادة بإسهامات متميزة لشباب علماء الوزارة المتميزين في التخصصات المختلفة.