:أهم الأخبارمقالات

السلطة في منظور الجماعات المتطرفة

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

      السلطة في منظور الجماعات المتطرفة غاية لا وسيلة ، ويتمحور فكر هذه الجماعات حول معنى واحد ربما لا ثاني له إما أن تحكم وإما أن تخرب لتسقط أنظمة الحكم ، وفي سبيل ذلك كل شيء لديها مباح ، فكل ما يمكن أن يسهم في تحقيق هذه الغاية لهم هو في أيدلوجياتهم سبيل من سبل التمكين التي يجب الأخذ بها ، حتى لو كان ما سيؤدي إليه ذلك إنما هو سفك الدماء أو ترويع الآمنين أو إسقاط الدول ، أو تفكيكها ، أو تفتيتها ، أو تدميرها ، أو تعريض وجودها من أساسه للخطر والمخاطر ، لذا لا يتوقع من عناصر هذه الجماعات أي خير لأوطانهم ، بل إنهم وبال وشر أينما حلوا أو حتى ارتحلوا ، لأن الشر يرحل معهم ويرتحل بارتحالهم، وهم على الجملة لا يؤمنون إلا بأنفسهم ، لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية ، فهم على استعداد للتحالف مع العدو ، مع الصهيونية العالمية ،مع الشيطان نفسه ، مع كل من يوهمهم بمساعدتهم على الوصول إلى السلطة وتحقيق ما يتمنونه من ورائها، وهم لا يعتبرون ذلك لا عمالة ولا خيانة ، إنما يعتبرونه تحالفات وقتية أو استراتيجية  طبيعية طالما أنها تصل بهم إلى مرادهم في تحقيق السلطة التي لا يعون أي شيء عن مقوماتها أو متطلباتها سوى أنها ستحقق لهم ما يطمحون إليه من أمر دنياهم مغطى بما يوهمون به العامة والدهماء من أنهم إنما يعملون لأمر دينهم ، والأديان براء من كل ذلك ، وأبعد ما تكون عن هذه العمالات والخيانات وهذا التفكير الشاذ المنحرف.

      وفي سبيل الوصول إلى مآربهم يتذرعون بذرائع منها أن بعض الحكام لا يحكمون بشرع الله ، على أنك عندما تناقش عناصر هذه الجماعات عن مفهوم شرع الله تجدهم خاويّ الوفاض ، وقد بينا ذلك واضحًا جليًا في كتابي : “مفاهيم يجب أن تصحح” ، “وضلالات الإرهابيين وتفنيدها” ، وأكدنا أن الالتزام بما أنزل الله (عز وجل) من شرع لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية ، وفقًا لتغير الزمان والمكان ، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفًا لشرع الله ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات ولا يحل حرامًا أو يحرم حلالا أو يتناقض مع ثوابت الشرع أو ينال منها.

      وأكدنا أن الإسلام لم يضع قالبًا جامدًا صامتًا محددًا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه ، وإنما وضع أسسًا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدًا يقره الإسلام ، ومتى اختلت أصاب الحكم من الخلل والاضطراب بمقدار اختلالها ، ولعل العنوان الأهم الأبرز لنظام أي حكم رشيد هو مدى تحقيقه لمصالح البلاد والعباد ، وعلى أقل تقدير مدى عمله لذلك وسعيه إليه ، فأي حكم يسعى إلى تحقيق مصالح البلاد والعباد في ضوء معاني العدل والمساواة والحرية المنضبطة بعيدًا عن الفوضى والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة فهو حكم رشيد معتبر.

     أما جملة الأحاديث التي تتحدث عن الخلافة والبيعة فيمكن أن تحمل في جملتها في ضوء معطيات عصرنا الحاضر على ضرورة إقامة نظام حكم عادل رشيد له رئيس ومؤسسات ، يعمل على تحقيق العدل بين الناس ، وتحقيق مصالح البلاد والعباد ، ويستند إلى الشورى والإفادة من الكفاءات وأهل الخبرة والاختصاص ، بحيث لا يترك الناس فوضى لا سراة لهم ، ولا إشكال بعد ذلك في الأسماء والمسميات طالما أنها تحقق الأهداف والغايات التي يسعى الإسلام لتحقيقها بين الناس جميعًا بما يحقق صالح دينهم ودنياهم.

    على أن أهم ما نحذر منه هو ما تنطوي عليه هذه الجماعات من حقد على المجتمع وتربص به وعمل على الإيقاع به بشتى الطرق سواء بالتخريب المباشر أم بالتعويق والتعطيل والتشويه وقلب الحقائق ، ولهم من أساليب المكر مالا يمكن أن يفكر فيه سوى جماعات الهدم ومنزوعي الوطنية ، لدرجة أن بعضهم أيا كانت مهنته وكان أمام منتج وطني وآخر غير وطني فإنه يفضل غير الوطني لتهوي صروح الصناعة الوطنية ، من باب أن هذا يؤدي إلى إضعاف الدولة وسقوطها وعدم تمكينها، خابوا وخسروا ” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ “.

     كما أننا نحذر من حملات التشويه وقلب الحقائق من خلال المواقع الإلكترونية وبعض الوسائل الإعلامية التي تتسلل عبرها هذه العناصر محترفة الكذب والتدليس ، وعلينا أن نتثبت ونتبين حقائق الأخبار حتى لا نقع في شراك ما تريده هذه الجماعات من فوضى ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” ” وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ “.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى