الخيانة وفقدان الوطن
فقدان الوطن يعني فقدان الذات ، وفقدان الهوية ، وفقدان الدفء ، وفقدان الأمان ، ضياع الوطن يعني ضياع كل شيء ، يعني الهوان ، والشتات ، والغربة ، والحسرة على مرابع الصبا ،ويعني بالضرورة فقدان كثير من الأهل والأحبة ورفقاء الدرب والعمر .
الوطن سياج من الأمن والأمان ، فهو كالصحة التي هي تاج على رءوس الأصحاء ، فمهما وصفت من عواقب فقدها فإنه لا يدرك حقيقة ومعنى هذا الفقد إلا من فقدوا ولو جانبا منها ، أو من رزقهم الله (عز وجل) بصيرة الاعتبار بحال من حولهم ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ بنفسه .
كما أن الدين لا بد له من وطن يحمله ويحفظه ويحميه ، ذلك أن الدين لا بد له من وطن آمن مستقر ، كي نتمكن من نشر صحيحه وبيان أوجه سماحته ، ومن ثمة يرى كثير من أهل العلم أن الهجرة النبوية المشرفة كانت أهم حدث في تاريخ الإسلام كله ، لذا فإنهم اتخذوا منها منطلقًا لتاريخنا الهجري ، لأنها كانت أهم نقطة تحول نحو بناء الدولة والحفاظ على كيانها واستكمال مقوماتها : من بناء جيش قوي ، وسوق كبير بالمدينة ، ومؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ووثيقة تعايش تاريخية بين أبناء الوطن الواحد تتضمن ميثاق حمايته، والدفاع المشترك عنه ، والاحترام المتبادل بين أبنائه .
لقد ذكر لنا التاريخ البشري على اختلاف دوله وعصوره نماذج مأساوية لفقدان الوطن ، وما تعرض له فاقدوه من ذل وهوان ، حيث يعبر أحد الشعراء عما حل ببعض ملوك الطوائف في الأندلس نتيجة فقدان الوطن :
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم
واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
ففقدان الوطن يجعل السادة عبيدا ، والأعزة أذلة ، والكبار صغارا ، ولا يعوض فقدان الوطن مال ولا ولد ، ولا جاه ، ومن ثمة قرر الفقهاء بالإجماع أنه إذا دخل العدو بلدًا من بلاد المسلمين صار الجهاد ودفع العدو فرض عين على أهل هذا البلد رجالهم ونسائهم , كبيرهم وصغيرهم , قويهم وضعيفهم , مسلحهم وأعزلهم , كل وفق استطاعته ومُكنته , حتى لو فنوا جميعًا , ولو لم يكن الدفاع عن الديار مقصدًا من أهم مقاصد الشرع لكان لهم أن يتركوا الأوطان وأن ينجوا بأنفسهم وبدينهم .
مع تأكيدنا على ضرورة التنبه لخطورة الخونة والعلماء والمأجورين لتخريب بلادهم وأوطانهم ، فهم كما وصفهم الشاعر العراقي الكبير الملقب بمتنبي القرن العشرين محمد مهدي الجواهري ، حيث يقول :
ولقـــــد رأى المستعمِرونَ فرائسًا |
منَّا ، وألفَوْا كلبَ صيــــدٍ سائبا! |
|
فتعهَّدوهُ ، فراحَ طـــــــوعَ بَنانِهمْ |
َيبرُونَ أنيابًا له ومَخــــــــــــــــالبا |
|
مستأجَرِينَ يُخـــــــــرِّبونَ دِيارَهُمْ |
|
فخيانة الأوطان أشد ألوان الخيانة والغدر ، وهي جريمة في حق الدين والوطن ، والأهل ، والشرف ، والعرض ، والمروءة ، ذلك لمن كان له عرض أو شرف ، أما من لا عرض له ، ولا مروءة ، ولا شرف له يحرص أو يحافظ عليه ، فتردعه قوة الدولة ,وحسبنا قول سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إن الله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
ومن ثمة يجب أن يكون صوت الدولة عاليًا وقويا ، وسيفها مصلتا على رقاب كل الخونة والعملاء ، ومن يدعمهم ، أو يتستر عليهم ، أو يدعمهم بأي دعم مادي أو معنوي ، لأنهم خطر على الدين والدولة ، وعار على أوطانهم وأهليهم وأنفسهم , كما أن الدول التي سقطت عبر التاريخ إنما سقطت بمعاونة العملاء والمأجورين.خيانة الأوطان أشد ألوان الخيانة والغدر ، وهي جريمة في حق الدين والوطن ، والأهل ، والشرف ، والعرض ، والمروءة ، ذلك لمن كان له عرض أو شرف ، أما من لا عرض له ، ولا مروءة ، ولا شرف له يحرص أو يحافظ عليه ، فتردعه قوة الدولة ,وحسبنا قول سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إن الله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .