الحــب الجميــل
لا شك أن الله (عز وجل) جميل يحب الجمال في الأمر كله , وأن الإسلام قائم على حب الخير للناس جميعًا , وأن رسالة نبينا (صلى الله عليه وسلم) جاءت رحمة للعالمين , حيث يقول سبحانه : ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء : 107) .
الحب الجميل يبدأ بحب الله (عز وجل) , وحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , ثم حب الخير للناس جميعًا , فقد سأل أحد الناس سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متى الساعة ؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) وما أعددت لها؟ , فقال الرجل : حب الله وحب رسول الله , فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : أنت مع من أحببت.
ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ” (متفق عليه) , وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) : ( الآنَ يَا عُمَرُ )” (رواه البخاري).
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ”.
ثم يأتي الحب الفطري من حب الأبناء القائم على حسن تربيتهم والوفاء بحقهم , وحب الوالدين وفاء بحقهما وإكرامًا لهما وردًا لجميلهما , والحب الصادق بين الزوجين بما يملأ الحياة بهجة وسعادة تنعكس على الأسرة والمجتمع , وحب الصاحب والصديق لله وفي الله , وفي الحديث الشريف : ” مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ , فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ” (صحيح البخاري) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” الْمُتَحَابُّونَ فِيَّ اللَّهِ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغْبِطُهُمُ الشُّهَدَاءُ ” (المستدرك على الصحيحين) , وفي الحديث القدسي : ” وَجَبَتْ مَحَبتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فيَّ ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ” (مسند أحمد) , وفي الحديث : “إِنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى , فَأَرْصَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى الْمَلَكُ قَالَ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أَزُورُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . قَالَ : هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ ؟ قَالَ : لا ، إِلا أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ ” (رواه مسلم).
الحب الجميل هو الذي لا يقوم على مجرد المصالح والمنافع ويذهب بذهابها , فهذا حب زائف , حيث قيل لأحدهم : من أصدقاؤك ؟ فقال : لا أعلم ، قيل له : لماذا ؟ قال : لأن الدنيا مقبلةٌ عليّ ، فإن أدبرت عرفت عدوي من صديقي ، لأن أكثر الناس يدورون مع الزمان حيث دار ، فإن كان معك كانوا معك ، وإن كان عليك كانوا عليك.
فما أحوجنا إلى الحب الجميل , والزمن الجميل , الحب لله وفي الله , حب الخير للناس , وللبشرية جمعاء , ما أحوجنا أن نملأ حياتنا بالحب , وأن نحيا به , لنحيا معا في أمان وسلام وسعادة وصفاء بعيدًا عن نزعات القتل والتدمير والكيد والمكر والافتراء.