:أهم الأخبارمقالات

الجشع والشره والابتذال

mokhtar-gomaa3

الجشع داء قتال لصاحبه قبل المجتمع , ويكفى الحر ردعًا أن تلصق به هذه الصفة شديدة السلبية أو يوهم بها , بداية من الشره في الطعام , إلى الأثرة فيه وفي غيره , وانتهاء إلى الشره في جمع المال .

وفي جانب الطعام والشراب دعانا الحبيب (صلى الله عليه وسلم) إلى الاقتصاد في طعامنا وشرابنا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : “مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ” ( رواه الترمذي) , ولما أهداه المقوقس حاكم مصر جارية وطبيبًا قبل (صلى الله عليه وسلم) الجارية ورد الطبيب , قائلا أما الطبيب فلا حاجة لنا به نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع .

وقد امتدح العرب العفة في كل شيء حتى قال شاعرهم :

وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهــم ، إذ أجْشَعُ القــومِ أعجــل

وأستــفُّ تُرب الأرضِ كـي لا يرى لهُ

عَلــيَّ ، من الطَّــــوْلِ ، امـــرُؤ مُتطوِّلُ

وقال الآخر :

لا تَسْقنـــي مـــــاءَ الحيـــــاةِ بذِلَّـــــــــةٍ

بلْ فاسْقني بالعــزِّ كــــأس الحنْظــــل

وقال آخر :

أمَتُّ مَطَامِعي فأرحْتُ نَفْســـــي

فإنَّ النَّفــــسَ ما طيعـــت تهــــونُ

وَأَحْيَيْـــــتُ القُنُــــوع وَكَــــانَ مَيْتاً

ففـــي إحيائــــهِ عـــــرضٌ مصـــونُ

إذا طمعٌ يحـــلُ بقلـــــبِ عبــــــدٍ

عَلَتْــــهُ مَهَانَــــــة ٌ وَعَــــــلاَهُ هُـــونُ

وقالوا : أحسن إلى من شئت تكن أميره , واستغن عمن شئت تكن نظيره , واحتج إلى من شئت تكن أسيره.

وللجشع صور متعددة , منها الشره في الطعام والشراب , والجشع في الاستحواذ على المال والمتاع, وقد يكون ذلك على سبيل الربا , أو على سبيل الغش , أو الاحتكار , أو الاستغلال , وقد نهى الإسلام عن ذلك كله , فقال سبحانه وتعالى في شأن الربا : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ” (البقرة : 278-279) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ ” (رواه مسلم) , كما نهى (صلى الله عليه وسلم) عن الغش فقال : “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” , كما نهى عن الاستغلال والاحتكار فقال (صلى الله عليه وسلم) : “المحتكر ملعون” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “لا يحتكر إلا خاطئ” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” (رواه أحمد في المسند).

على أن بعض الناس قد يبتذل في سبيل شهواته ابتذالاً مقيتًا ، يجلب له سخط الناس في الدنيا ، وسخط الله (عز وجل) في الدنيا والآخرة ، بحيث يكون هذا الصنف من الناس على استعداد لإراقة ماء وجهه ووصم عرضه وشرفه وكرامته ومروءته جشعًا وطمعًا وذلاًّ وهوانًا وابتذالا لأمور لا يمكن أن يدركها أو ينالها إلا بقدر .

وفي مقابل الجشع والشره وقلة المروءة نجد كل معاني العفة والنزاهة ، والإباء ، والشمم ، وعدم الابتذال ، فالعفة إنما تشمل عفة اللسان عن التفوه بما لا يليق أن يخرج منه ، وبما يحفظ لصاحبه مكانه ومكانته واحترامه بين الناس ، فالفم يجب أن يعف عن الطعمة غير الحلال ، بل يعف عن كل ما يمكن أن يخل بمروءة صاحبه ، والفرج ينبغي أن يعف عن الحرام كل الحرام ، كما يجب على ذوي المروءة أن يعفوا عن التدني والابتذال ، وأن يعرفوا بالإباء والشمم .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى