:أهم الأخبارمقالات

الثالـــوث المقـــوم

mokhtar-Gomaa copy

إذا كان هناك ما يعرف بالثالوث المدمر , وهو الجهل والفقر والمرض فإن من الطبيعي أن يكون ما هو عكس ذلك من العلم والمال والصحة وسيلة للتقدم والرقي على مستوى الأفراد والأمم , ولكني من واقع تجربة عشتها لأيام خلال زيارتين لدولة صديقة لمصر وهي دولة كازاخستان , ورأيت كيف يحرص هذا الشعب على جملة من العادات المحمودة , من أهمها نظافة الإنسان والمكان , والحرص على الرياضة , وتقديس العمل , حيث يبدأ العمل ما بين السابعة والتاسعة صباحًا وفق نطاق كل مؤسسة وينتهي ما بين الخامسة والسابعة مساءً , وفي رحلة جبلية رأيت كيف يعشق كثير من الكازاخستانيين صعود الجبال أو تسلقها , أو التزحلق على جليدها , وكما قال أبو القاسم الشابي:

وَمَنْ  لا  يُحِبّ  صُعُودَ  الجِبَـالِ

يَعِشْ  أَبَدَ  الدَّهْرِ  بَيْنَ   الحُفَـــر

وفي لقائي برئيس مجلس الشيوخ , ثم بوزير الثقافة والرياضة وشئون الأديان , ثم بصحبة نائبه طوال الزيارة كان لنا أحاديث عديدة في الشأن الديني والدعوي والفكري والثقافي والرياضي , ففكرت أن أكتب مقالاً تحت عنوان “الثقافة والرياضة” أُبيّن فيه أثر كل منها في بناء الشخصية السوية , غير أني تأملت في مسمى وزارة الثقافة والرياضة وشئون الأديان , فقلت هذا هو بيت القصيد , ومربط الفرس كما يقولون , فهذا الثالوث : الدين , والثقافة , والرياضة , يُعد أهم ثالوث مقوم لسلوك الإنسان ومؤثر في بناء وتكوين شخصيته , ولا يمكن لواحد منها أن يقوم ببناء الشخصية بناءً متكاملاً بمعزل عن المكونين أو المقومين الآخرين , فمن حيث الجانب الرياضي نستطيع أن نقول : لا يمكن أن تكون هناك لياقة ذهنية تامة بدون لياقة بدنية تامة , وكما قالوا : العقل السليم في الجسم السليم , وإنها لمقولة سديدة إلى حد بعيد.

وأما من حيث الثقافة فقد أكدت في أكثر من مقال ومقام أن جزءًا كبيرًا من واقعنا المؤلم المر في مجال الفهم الخاطئ , والتصرفات الخاطئة , والوقوع في براثن الجهلة من عناصر الجماعات المتطرفة  يرجع إلى ضيق الأفق الثقافي أو ضآلته أو ضحالته أو انغلاقه أو انسداده , وقد عرّف بعض المفكرين من المناطقة الإنسان بالرسم لا بالحد , وبالخاصة على النحو الذي قرروه في باب التعريفات بأنه “حيوان مثقف” , وكأنهم يقررون أن إنسانية الإنسان تقاس بمقدار ثقافته “وقدر كل امرئ ما كان يحسنه” , وقديمًا قالوا : “قبح الله من لا أدب له” وكان الأدب آنذاك معادلاً للثقافة ومرادًا بها كما أنها مرادة به , فقد كانا أشبه بالمترادفين , ولذا قالوا : الأدب جماع العلم .

أما المجال الثالث الذي لا يكتمل البناء الإنساني إلا به , فهو الفكر الديني الصحيح الذي لا يخالطه تشويه ولا سوء فهم , الذي يؤخذ عن العلماء المتخصصين , وليس عن الجهلة أو الدخلاء أو المأجورين أو المنتفعين , أو المتاجرين بالدين , بل عن هؤلاء العلماء الراسخين في العلم , والذين قال الله (عز وجل) فيهم : ” وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (آل عمران : 7) , وقال فيهم : ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (فاطر : 28) , وقال فيهم : ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (المجادلة : 11) , وقال فيهم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) : ” وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر ” ( سنن أبي داود) .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى